آمن بأن كتابة الرواية كعمل إبداعي متكامل فن يحتاج فيه الكاتب إلى قدرة فائقة على السرد والتصوير لمسارات الحياة وتفاصيلها ومن ثم توظيفها في كتابة النص ليأتي مفعما بالجمال يعكس غنى روحه وثراء تجربته الحياتية. وهذا ماوجدناه في الدكتور سعود الصاعدي في كتابته لرواية «ساعة الرمل» التي نسلط الضوء عليها اليوم حيث يتضح ذلك جليا من خلال قدرته على الربط بين الأمكنة المتناقضة ثقافيا وحضاريا (مكة/بريطانيا) وتحويل هذا التناقض إلى حالة انسجام إنساني برز بوضوح في تجربته مع بطلة الرواية الآنسة تيبل ومعايشته لأحزانها التي وصفها بالحارقة وتأثره البالغ بحادث مقتل الأميرة ديانا ودودي الفايد ليؤكد مجددا واحدية الهم الإنساني مهما تعددت الأمكنة وتباعدت الأزمنة. قصة ولادة النص يقول الدكتور سعود الصاعدي عن قصة ولادة روايته «ساعة الرمل» في روايتي الأولى «خارج العالم» كان عالم الطفولة هو العالم الذي أصنع منه مشاهد الرواية باعتبار أن الطفولة تلتقي مع الجنون في الرغبات والأحلام، وكان وديع الزاهي هو الشخصية المحورية في العمل حيث استمتعت بصحبته إلى أن أعلن تركه العمل في المشفى الصحي، وأذكر أن من ضمن ما لوحظ على الرواية أنها لم تحتف بالمكان ولا بالمرأة، وكنت أرى أن ذلك مبررا فنيا بحكم أن الرواية خارج العالم وأن عالم الجنون معزول عن المكان والزمان، وبالنسبة للمرأة فقد كان الجنون رجاليا ينقل واقع الجنون في مشفى صحي، فيما استطعت أن أقتبس شخصيات مجانيني من بعض ما أشاهده في الواقع من شخصيات مرحة أو طفولية أو شخصيات كانت تعاني بالفعل من أزمات نفسية، فشكلت منها ملامح الشخصيات في رواية خارج العالم، في حين جاءت ساعة الرمل، روايتي الثانية، وهي التي ستصدر قريبا عن دار أثر، في الاتجاه المعاكس لخارج العالم حيث بدت تحتفي بالمكان المقدس متمثلا في مكة، وبالشعب المكي، متمثلا في حينا الذي أستعد الآن للانتقال منه إلى حي جديد، وهذا الحدث كان رافدا مهما في كتابة الرواية، كما أن البطولة هذه المرة جاءت من العالم الآخر، متمثلا في بريطانيا، ومن الجنس الآخر، متمثلا في الآنسة تيبل، التي عشت معها لحظات الحزن الحارق، ولحظات التحول إلى الشرق، كما عشت مع أساتذتها في المعهد ومع زملائها في الدراسة والرحلة إلى جزيرة العرب، وهذه العوالم أعتقد أنني أخرجتها من التجربة التي عشتها في دراستي للماجستير والدكتوراه فيما يخص الدراسة، كما أفدت فيما يخص الرحلة في الجزيرة من رحلاتي مع الأصدقاء وأسفاري التي شكلت هذا النسيج، وفي العموم فالذي أراه أن ساعة الرمل تشكلت من عوالم مختلفة بدءا بطفولتي في حينا الشعبي التي كانت الرافد المهم لهذه الرواية، ومرورا بالدراسة في الجامعة، وانتهاء بمشاهداتي في الرحلات والأسفار مع الأصدقاء، فقد مزجت هذا كله في اللاوعي ونتج عنه النسيج الروائي في ساعة الرمل، كما ظهرت الآنسة تيبل هي الملهم، والذاكرة التي أودعتها تجاربي وأفكاري ورؤيتي للحياة، وكانت مكة المكان الملهم الذي أستند عليه في فتح آفاق الرواية وجعلها كونية لا تنتمي للجانب الشخصي أو المحلي فحسب، وأستطيع القول أخيرا إن ثمة أحداثا عالمية تبلورت في ذاكرتي منذ زمن واختمرتها الذاكرة إلى أن خرجت بشكل لم أتوقعه أنا نفسي، ومن أهم هذه الأحداث حدث ديانا ودودي الذي خرج في الرواية، دون أن أشعر، في شكل حوار حضاري بين الشرق والغرب. من رواية «ساعة الرمل» عندما قرأت الآنسة تيبل ما كتبه السيد جبل بخصوص الزفاف الرمزي الذي كان أطفال الحي يحتفلون به في أعلى الشعب، على مقربة من الجبل، تذكرت على الفور خطيبها الراحل باستن. كان باستن إنجليزيا وافدا، وكان قريب الشبه في ملامحه من الرجل الشرقي، حيث تبدو بشرته أقرب إلى لون الصحراء، وكان يدعى بين رفاقه بالرجل الحنطي، حتى إن وليم كان يعير الآنسة تيبل به عندما عرف أنها ستحتفل بالخطوبة في الريف الإنجليزي، وسيكون الاحتفال متزامنا مع عيد رأس السنة. كان يقول لها: ستكون نهايتك شبيهة بنهاية ديانا مع الرجل الشرقي الغليظ دودي. كانت الآنسة تيبل، في تلك الفترة، مطمعا لكل الشبان عدا وليم الذي كان صديقا لها فحسب، وكان لا يفكر أن يقترن بها، وعندما قال له أحد الشبان الذين استشاطوا غضبا من خبر خطوبتها: كيف تسمح لهذا الرجل الحنطي، القادم من جنوب بريطانيا أن يختطف قرينتك؟ رد عليه باسما: هو خطفها منكم، وليس مني. تيبل بالنسبة لي ليست أكثر من ذاكرة أودعتها طفولتي، فلما كبرنا اختلفت أفكارنا. حقيقة لست على استعداد للاقتران بفتاة لا ترافقني في احتفالاتي الليلية، ولا تريد أن تتصل بعلاقات مع أصدقائي. كل همها أن نقرأ معا في أشعار شكسبير و بودلير و ملتن و إليوت، وأن نتتبع خطوات الروائيين والشعراء، وفوق ذلك تريدني أن أفرغ لما تكتبه فأستمع إليها وهي تقرأ كل ما كتبت، لأقول لها في الأخير: هذا رائع. أنت رائعة جدا. أعرف نفسية تيبل ومزاجها، هي تحلم بزوج هذه مواصفاته، وأظنها ستجد في هذا الجنوبي ما تريده. كانت الآنسة تيبل تتذكر كل هذا وهي تقرأ تقاليد الزواج و مظاهره في مكّة ، فتبتسم حين تشاهد الطفولة المكية تركض بين السطور في احتفال بهيج ينتهي بزفاف وهمي، كما أوضح السيد جبل، وتنطفىء ابتسامتها حين تربط هذا الزفاف الوهمي بخطوبتها من باستن، الرجل الحنطي، الذي ذهب فجأة مع الجيش البريطاني في مهمته المشتركة إلى العراق ولم يعد لها منذ ذلك الحين. إليك ي سعود ا إذا استطاع الكاتب من خلال عمله الروائي الأول أن يجعلك تترقب عمله الثاني بشغف فهو قد حقق النجاح، وهذا ما فعله الروائي سعود الصاعدي من خلال روايته الأولى «خارج العالم». تلك الرواية المميزة بداية من غلافها الذي يطالعك بعنوان الرواية مقلوبا وكأنه ينعكس في مرآة أو كأن الرواية بمثابة مرآة نرى من خلالها أنفسنا لنسأل: هل نحن أيضا خارج العالم؟ صلاح القرشي الصاعدي سعود يحمل قلما سيالا وفكرا متقدا في كل أفانين الكتابة ففي عمله الروائي الأول خارج العالم نلمس في الداخل العميق رؤى فلسفية ونظرات عقلانية تدلف من أفواه المرضى الذين لا يخشون لحظة انكشاف الحجب غضبة أحد، حيث في إيمان الناس بجنونهم حرية تطبيق الأحلام واكتشاف العمق الحقيقي للحياة. فوزي المطرفي