لم تعد الكرة وطقوسها حكرا على فئة دون أخرى، بل باتت متنفسا لكثير من شرائح المجتمع على اختلاف مشاربهم، يؤوبون إليها متى ما تاقت إليها النفوس بحثا عن ترويح، بل إن كثيرا من الدعاة والمشايخ لم يعودوا يخفون اهتماماتهم ب«المجنونة»، في وقت كان فيه الحديث عن هكذا أمور إنما هو باب من أبواب إضاعة الوقت وإلهاء النفس، مع أن في مثل هذا القول تجنيا على الدين، فهو الداعي إلى تقوية الجسد، وإراحة العقل بتجريده من منغصات الحياة وإبدالها بشيء من ترفيه لايتعارض وسماحة الإسلام، ولعل كرة القدم إحداها. الكلباني نصراوي سابق الشيخ عادل الكلباني إمام جامع المحيسن بالرياض وإمام المسجد الحرام سابقا، كان لي معه هذا اللقاء الرياضي الذي تحدث فيه عن كرة القدم، فنونها وشجونها واللون الذي يراه الأقرب إلى نفسه، حيث قال: الإسلام دين سماحة، يهتم بالجسد اهتمامه بالروح والعقل، فقد قدم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنموذجا لممارسة المؤمن للرياضة حينما سابق السيدة عائشة رضي الله عنها، كذلك الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا يتسابقون على الإبل، فضلا عن تشجيع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفتيان على تعلم أنواع الرياضات كركوب الخيل والسباحة والرماية، يضاف إلى ذلك ما فيها من فوائد صحية جمة، والإنسان بطبيعته ميال إلى ممارستها بين حين وآخر، ويستطرد: وإن كانت لعبة كرة القدم جماعية في أساسها إلا أنها كثيرا ماتستهوي الكثيرين بممارستها ولو فرادى. وعن ميوله الرياضية قال بعد تنهيدة على زمن جميل لن يعود: فيما مضى كنت مولعا بنادي النصر إلا أنني ومنذ ثلاثة عقود وتحديدا عام 1403ه لم تعد لي صلة بالميول، فالأصفر بات عندي كالأزرق، والأخضر كالأسود. هنا سألته: هل لابتعاد النصر عن البطولات خلال الأعوام الفائتة دور في قطع العلاقة التي كانت تربطكما، فأجاب ضاحكا: لاعلاقة لهذه بتلك، بل هي مشاغل العمل والحياة، فهناك أولويات تتبعها الثانويات. وعما إذا كان يتابع البطولات الأوروبية خاصة وأنا نعيش نهائيات يورو 2012، أو يتبادل مع غيره الحديث حول أنديتها، أجاب: لي رفقاء أسمعهم بين الحين والآخر وهم يتحدثون عن برشلونة وبطولاته وطريقة لعبه، ومع ذلك إلا أن أبناء الشيخ الكلباني الخمسة يتوزعون الهوى بين الأندية الكبيرة، حيث قال عنهم: هم كبقية الشباب لكل منهم ميوله، وكثيرا ما أحثهم على التحلي بالروح الإسلامية التي تهنئ الفائز وتخفف من وطأة الهزيمة على الخاسر. وأضاف: أحايين كثيرة اتخذ الكرة وسيلة لإيصال ما ينبغي علي إيصاله إليهم، حيث أقرب لهم من خلالها عددا من الصفات التي يجب أن يتحلوا بها، منها على سبيل المثال لا الحصر عدم اليأس، مستشهدا بالمباريات التي لاتحسم إلا في الثواني الأخيرة، وهكذا. العودة تعاوني بعد علقة ساخنة ولم يقف الأمر عند الشيخ عادل الكلباني، فهاهو الشيخ والداعية الشهير سلمان العودة، الذي يعرف بوسطيته واعتداله، يزور نادي النصر، وابتسامة عريضة بادية على محياه وهو يتجاذب أطراف الحديث مع لاعبي الفريق وأجهزته الفنية والإدارية، بل زاد أن منحهم جرعة من الأمل والتفاؤل عندما بين لهم خلال محاضرة له على هامش اللقاء قبل عامين أن لا شيء مستحيل في الحياة، طالما ليس هناك استسلام لليأس، وكان ذلك قبيل مباراة كانت منتظرة للنصر مع شقيقه الهلال، وعندما لم يجد نجم الفريق محمد السهلاوي غضاضة في الأمر، لم يتوان ساعتها في دعوة الشيخ العودة لحضور مباراة فريقه آنذاك أمام الهلال ومشاهدتها من مدرجات استاد الملك فهد الدولي في الرياض، الأمر الذي خرجت منه جماهير النصر بانطباع عن نصراوية الشيخ العودة الذي سبق وألمح إلى ميوله التعاونية، حين قال لعدد من جلسائه في حديث تلفزيوني له معهم إنه وعدد من أقرانه في سن الصغر لم يسلموا من ضرب عدد من محبي نادي الرائد لهم، كونه كان يسكن في حي يغلب على قاطنيه الميول التعاونية، مشيرا إلى أن ميوله تلك لم تكن لتتجذر حينها لولا تلك العلقة الساخنة التي مني بها في طفولته. القرني هلالي كذلك اعتراف الداعية الإسلامي الشهير الدكتور عائض القرني بزيارة نادي الهلال وتسلمه العضوية الشرفية من رئيس النادي الأمير عبد الرحمن بن مساعد رغم عدم انتمائه لناد معين على حد قوله وإشارته إلى أن اثنين من أبنائه بأنهما يشجعان الهلال، ومعرفته باللاعبين ياسر القحطاني ومحمد نور، في كل ذلك مايدل على أن علاقة هؤلاء المشايخ لم تتوقف عند زيارات الأندية وإلقاء المحاضرات، بل تجاوزتها الى أمور أخرى وهي أن الإنسان بطبيعته كثيرا ما يحن إلى طفولته وأيام شبابه، وما رسخ في ذاكرته آنذاك لايمكن أن تمحوه الأيام، خاصة متى ما كان الأمر يتعلق بعشق هذا النادي أو ذاك. تقليعات مرفوضة يؤكد الداعية الشيخ حسن بن قعود على أهمية الرياضة في حياة الإنسان، لافتا إلى أنه يجب أن يضعها ضمن جدوله اليومي ليزاولها حسب قدراته وإمكانياته. ولم يخف أنه مر بفترة في بداية الشباب كان له فيها اهتمام بشيء من التشجيع ومتابعة الأنشطة الرياضية والمباريات، إلا أنه تحفظ ولم يبرز النادي الذي كان يشجعه، مبينا أنه لم يسلم أحد من التشجيع إلا ما ندر، لكنه يرى أن الرياضة أخذت منحنى غير الذي أريد لها، فالواقع محزن وهناك سباب وشتائم. وهو في الوقت ذاته يرى أنه لاينبغي أن يشغل أحدا بذلك، خصوصا وأن في الآونة الأخيرة بات لدى الشباب تعصب لأندية غربية وأصبحوا يعطون ولاءهم وحبهم لأولئك اللاعبين ويتعلقون بهم بشدة لاسيما، وأن أولئك ينقلون إلينا ثقافات وافدة تتعارض مع الشرع الحنيف من تقليعات وتصرفات تمثل محظورا شرعيا. ورأى أهمية دخول الدعاة إلى الوسط الرياضي، معتبرا أن ذلك أمر مفرح ومكسب كبير، إذ يسهمون في تربية الشباب ويوجهونهم بأقل الأشياء المطلوبة كالصلاة والبعد عن المظاهر المخالفة لتعاليم الإسلام، لافتا إلى أن اللاعبين دعاة يمارسون هذه المهمة الشريفة بممارساتهم. المطلق يمارس المشي من جانبه، رأى أستاذ الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور إبراهيم المطلق فيما يتعلق بمفهوم الرياضة دليلا على مشروعيتها المستمدة من الأدلة الشرعية المستقاة من الأحاديث النبوية، مبينا أن الهدي النبوي يزخر بكثير من الصور التي فيها تكريس لأهمية الرياضة، ومن ذلك مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، مضيفا «لاشك أنها من الأمور التي يفترض العناية والاهتمام بها في بناء الجسم والعقل السليمين». وقال المطلق: أمارس رياضة المشي وأحيانا التمرين الرياضي في بعض المواقع المخصصة، وأرى أهميتها لدورها في بناء الجسم الصحي السليم ولاشك أن العقل السليم في الجسم السليم، فمتى ما صلح الجسم صحيا يكون أثره كبير في نضج العقل وتأثره وسلامته وحسن أدائه. وبالنسبة لمتابعة المباريات، قال المطلق: هناك متابعة لكن لا يمكن القول بأنها تصنف ضمن الاهتمامات بحيث تأخذ حيزا كبيرا من الوقت والانتباه؛ لكن إذا حصلت مناسبة أو جلسة مع أصدقاء أو جلسة عائلية وغيرها فهناك عدد من أنواع الرياضة الموجودة سواء المباريات أو كرة القدم أو الفروسية أو سباق الهجن، فيكون لها متابعة وحماس وتشجيع وغير ذلك. وعن ميوله الرياضية قال الدكتور إبراهيم المطلق: ذكرت في لقاء سابق أنني من مشجعي نادي الهلال الذي نشأ معي منذ نعومة أظفاري منذ المراحل التعليمية الأولية وأنا أميل لهذا النادي وأحضر مبارياته ونحو ذلك، لكن مع الوقت والانشغالات في المجال العلمي والدعوي والأكاديمي والإعلامي وغيرها خف التوجه ولكن إذا صدفت مباراة ولدي وقت للاطلاع عليها أقوم بالتشجيع لكن ليس كما كان في الصغر. وعن ميول أبنائه قال المطلق: الأبناء أعطيتهم مطلق الحرية في مثل هذه الأمور، أشجعهم على ممارسة الرياضة ولعب الكرة وهم يمارسون كذلك السباحة ونحوها وأشجعهم على مشاهدة المباريات، وأعرف أن هذا بفضل الله له أثره الإيجابي في نمو أجسامهم وصحة تفكيرهم وعقولهم بشرط ألا يؤثر على مستواهم التعليمي. ورفض التعصب، قائلا: أنا ضده ويفترض أن يصحب التشجيع لناد معين أو أي رياضة أخرى نوع من الوسطية في التشجيع وعدم الحماس المؤثر الزائد واستخدام الألفاظ البذيئة التي تمثل تجاوزا أخلاقيا، ويفترض أن يكون التشجيع هواية وترويحا و لايتعدى ذلك. خطورة المبالغة من جهته قال الأستاذ بالجامعة الإسلامية الدكتور غازي بن غزاي المطيري: لاشك أن لكل إدارة ووزارة سياستها ومنهجيتها المعلنة، والتي ينبغي أن تتقيد بها وفق توازن منهجي وعمل إداري متقن، ولا يمكن التجاهل والتغافل عن عالم الرياضة والرياضيين في هذا العصر الذي استحوذت فيه على اهتمام شرائح المجتمع باختلاف أطيافه وطبقاته واتجاهاته، ومن هذا المنطلق فإن البناء الجسدي والعقلي والخلقي أمر لازم يتفق عليه الحكماء والعقلاء ولاسيما أدبيات وسلوكيات هذا الدين الإسلامي العظيم الذي حرص على التوازن والتكافؤ والتعاضد والتكافل بين القوى الإنسانية الذاتية والخارجة عنه لتخرج المواطن والمسلم القادر المتميز. وأضاف: الملاحظ بدون تخصيص أو تسمية أن الرياضة البدنية استحوذت في كثير من البلدان سواء في الرؤية أو التصور أو التطبيق على الجوانب الأخرى من حياة الشباب خاصة، ما أدى إلى لون من الخلل والانفصال النكد بين الرياضة كوسيلة إلى أن ارتقت وأصبحت هدفا وغاية لذاتها مما جعل البعد الثقافي والفكري والخلقي بعيد النجعة عن هذا الوسط إلا من رحم الله. ونفى المطيري أن تكون لديه ميول رياضية في شبابه، إذ نشأ في قرية صغيرة وانتقل بعد ذلك إلى بلدة أكبر ولم تكن لديه اهتمامات رياضية أخرى سوى الاطلاع والقراءة والسماع أما التشجيع فلم يكن يحظى بنصيب من وقته. وعن أبنائه يؤكد لهم اهتماماتهم الخاصة ولكل منهم ناديه الذي يشجعه، كما أنه لا يتدخل فيهم إلا في حال تجاوز الحدود الشرعية كوجود السباب والشتم وغير ذلك، ويضيف: المشكلة أن التشجيع طال الأندية واللاعبين غير المسلمين وتجاوز مجرد الإعجاب إلى المحبة والمودة والسباب لأجلهم وهذا خطر. وزاد «الرياضة لما أصبحت هدفا شابها ماشابه الاتجاهات الأخرى سواء الثقافية والأدبية وحتى الدعوية ومن هذا أصبح الجميع يعاني من داء التعصب وهذا بسبب ضيق الأفق وعدم الانفتاح على الآخرين، ففي حين يحبس الإنسان نفسه على ناد أو اتجاه معين يصاب بنوع من الخلل». وختم قوله: ننظر إلى الرياضة كوسيلة مهمة لشغل الأوقات، وكذلك واجهة حضارية للنشاط الاقتصادي والفكري والإعلامي في البلدان وعاملا مؤثرا يعطي صورا جميلة للدول، ففي حين ننظر إلى الرياضة كوسيلة نرى الأندية بنظرة سوية معتدلة، فنشجع النادي النشيط والمثابر والمنتج والإدارة المثمرة والنشطة بغض النظر عن الإقليم والمنطقة والاسم، وأود أن تكون الرياضة جزءا من نهضة الدول، أما بالتعصب فإن ذلك ينمي التخلف ويعيق النهضة التي تليق ببلادنا وسمعتها. الروح الرياضية ويأخذ الداعية المعروف الدكتور غازي الشمري منحى آخر إذ يطالب باستعانة الأندية الرياضية ورؤسائها بالدعاة المقبولين لدى فئة الشباب؛ للتخفيف من الاحتقان الموجود بين جماهير الأندية الرياضية، والتي انتقلت من المواقع الإلكترونية إلى مدرجات الملاعب وتسببت في كثير من الأحداث الرياضية المؤسفة التي حدثت مؤخرا، مشيرا إلى ضرورة أن تقوم الأندية بدورها الفعال لتخفيف هذا الاحتقان وترسيخ مفهوم أن الرياضة فوز وخسارة وتنافس شريف، خصوصا أن الفرق المتبارية كلها من بلد واحدة وتظلهم سماء واحدة وتضمهم أرض واحدة ويدينون بدين واحد، وتساءل قائلا: لماذا نزرع بذور الشقاق والخلاف بين أبناء البلد الواحد من أجل قطعة مطاط مليئة بالهواء ؟! القرني سباحا أما الداعية عوض القرني فلم يمنعه كبر سنه من ممارسة رياضته المفضلة فهو سباح ماهر وخيال بارع، وكان في صغره يلعب الكرة ولكنها لم تنل إعجابه والدراجة الهوائية، بل إنه يحرص على المشي يوميا مسافة ثلاثة كيلو مترات، والأغرب في ذلك أن الدكتور يحرص على مشاهدة أخبار الرياضة في النشرات الرياضية. أما الداعية الدكتور علي المالكي فهو يرتبط بعلاقات عديدة بالوسط الفني والرياضي فهو صديق للفنانين محمد عبده، راشد الماجد، خالد عبدالرحمن ويوسف الجراح، أما في الوسط الرياضي فأصدقاؤه هم خالد الدايل، سامي الجابر، يوسف الثنيان، ماجد عبدالله، محيسن الجمعان، حسن العتيبي، فهد الهريفي، صالح المطلق وسعد الحارثي. في حين يمارس الداعية الشيخ محمد بن سرار اليامي رياضة المشي بشكل أسبوعي ويعتبرها الرياضة الوحيدة التي يحرص عليها، ويعود الشيخ بذاكرته للوراء، حيث يستذكر أنه كان شخصا خاملا وكسولا في كرة القدم مما استدعى زملاءه لوضعه حارس الفريق الدائم لقلة حركة الحارس، ولا يكتفي اليامي بالمشي من الرياضات، بل يميل أيضا للسباحة إضافة لرياضات الذهن. أما الشيخ الدكتور علي بادحدح فاعترف باتحاديته وقال: نحن أهل جدة اتحاديون بالجينات وأذكر أنني حضرت مرة وحيدة لمباراة الاتحاد والأهلي عند افتتاح الملعب الجديد، وحينها فاز الاتحاد والأهلي بثلاثة أهداف لواحد، كما أن الشيخ يلعب كرة القدم ويتابع أخبارها عبر النشرة الرياضية في قنوات الجزيرة والعربية ويجيد لعبة تنس الطاولة ومازال يلعبها حتى الآن.