عكاظي... وما عكاظيه؟! ها نحن أولاء عدنا: عدت إليك، وعدت ليه!... عدت وعدت، ولقد ضيفت ورحبت، وشأنك التضياف والترحاب، كأهلك السراة الكرماء... ها نحن نلتقي بعد طول غياب، بل بعد شوق وعذاب، ولكن لا ملامة ولا عتاب!... وتيك أيام مواض كنا قضيناها معا، فهل تذكرين؟. كل أسبوع، كنا نلتقي على مائدة العلم والمعرفة والمحبة. ظل ذلك الشأن قائما بيننا زهاء سنوات أربع، تزيد قليلا، أو تنقص قليلا. أتدرين يا عكاظي، أم كنت لا تدرين؟ إنك، أنت، لأول جريدة في المملكة العامرة، السعيدة الزاهرة، تحتضينني فتفتحين لي قلبك الكريم... احتضنت قلمي الحسير بكل ما أوتيت من حنان غامر، وعطف آسر، فكان العناق الأدبي الكبير. قد يعاتبني في حبك العاتبون فيقولون: ما لك تخاطب ما لا يعقل؟ وأقول لهم: وهل أنا إلا مثل امرئ القيس حين خاطب ليله الطويل وكأنه كان يسمعه ويعي مقالته... غير أن امرأ القيس كان يخاطب ليله في لحظة هم، وأنا أخاطب عكاظي في لحظة سعد. وها أنت، وها أنا، وها هم هؤلاء أكارم القراء، وأنبل المتلقين لكلماتي التي أبثها لهم بواسطة صوتك اللطيف، وسبرك الجميل، حتى لكأنك أجمل جرائد الكون! إنك للشأن في وسائل الإعلام، ولا شأن سواك. وإنك للصوت الجهير الشهير الذي يدوي بالحق والحقيقة لقرائك وأنت الفضلى وهم الأفضلون. لو كانت الجرائد كلها مثلك لأصبحت لغة الإعلام نورا يفيض، وحقا يظهر، وحقيقة تبهر، وشذى ينتشر. ألا إني كنت مشوقا إليك فكان في قلبي لوعة من عشقك، لكني تصبرت وكابدت، وأسررت سري في قلبي، ولم أشأ فضح ما كنت أعانيه من رسيس حبك خشية العذار! فالحب العظيم هو الذي يظل مدفونا في القلب فلا يعرف المحبوب منه إلا ملامح وأطرافا. وكنت أحس في قرارة عريكتي أنك تبادلينني ذلك، ولكنك كنت أنت أيضا تحتفظين به في نفسك حتى لا يظهر، لأن الحب إذا ظهر، في تقاليد العرب، انتهى إلى البين! كنت أقرؤك طورا في الأثير فأرى إشارة منك خفرة، ولكنها عارمة معبرة، فأنشد مع الشاعر العربي القديم: أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة محزون ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال: مرحبأ وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم فها قد جاءك الحبيب المتيم بك يسعى، تارة أخرى، عسى أن يغتدي عضوا كاتبا في صفحاتك الثقافية الجميلة الجليلة التي يكتب فيها كتاب أجلة أما كلماتهم فصادعة، وأما مواقفهم فصادقة.