سيرة ومسيرة حياة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، سيرة ثرية ومسيرة مكللة بالفخر، تتميز بمحطات ناصعة البياض وبهاء المواقف وشموخ الحكمة وصناعة التاريخ للوطن المضيء. ترأس صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز المجلس الأعلى للإعلام في مرحلة مهمة من تاريخ العمل الإعلامي السعودي، حيث حقق المجلس إنجازات تطويرية متسارعة وشهدت الساحة الإعلامية العديد من التنظيمات التي أدت للنهوض بالمنتج الإعلامي وفقا لمبادئ الدين القويم والعادات والتقاليد. يشير الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عضو مجلس الشورى وعضو اللجنة التحضيرية للمجلس إلى أن إنشاء المجلس الأعلى للإعلام مر بمرحلتين؛ كان عمر الأولى 15 عاما تقريبا من (19671981) بدأت بلجنة لتخطيط السياسة الإعلامية برئاسة وزير الإعلام آنذاك، وبعد أن عقدت بضعة اجتماعات توقفت مدة تزيد على ثمانية أعوام، ثم ما لبثت الفكرة أن بعثت من جديد، بتشكيل جديد هو المجلس الأعلى للإعلام، الذي عقد نحو 20 اجتماعا ثم توقف. أما المرحلة الثانية، فقد بدأت بصدور أمر سام (سنة 1981) يقضي بإعادة تشكيل المجلس من جديد برئاسة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز (بوصفه رجل دولة) وقد تأسست له لأول مرة أمانة عامة متفرغة مرتبطة بمكتب رئيسه، ولجنة تحضيرية من أربعة أعضاء. عقد المجلس خلال 23 عاما، 52 اجتماعا كما عقدت لجنته التحضيرية 238 اجتماعا، حيث أصبح المجلس فيها هيئة إشرافية تنظيمية، لها سمتها الاعتبارية والميزانية شبه المستقلة. ويقول الدكتور الشبيلي: لقد كان المجلس على مدى 23 عاما بمثابة هيئة استشارية متخصصة للديوان الملكي، وعمل في الوقت نفسه سلطة تنظيمية، وإشرافية، للاطمئنان على تطبيق السياسة الإعلامية وعلى حسن تنفيذ الأنظمة الصحفية، إذ يعد المجلس الحاضن الأول للسياسة الإعلامية، بعد أن كان قد عكف على إنجازها خلال عام من تكوينه وكان في هذا العام بصدد تحديثها (صدرت السياسة الإعلامية بقرار مجلس الوزراء 1982). أما الوظيفة الرئيسية الثانية التي كان يقوم بها، فهي الحكم (الفيصل) بين الأجهزة الإعلامية من جهة التي قد تكون طرفا في الخصومات وبين المتضررين والشاكين، أفرادا أو مؤسسات من جهة أخرى، وكان المجلس ورئيسه ينشغلان في كثير من الأحيان بالعديد من هذه المنازعات، وهو جانب قد يحصل فيه فراغ بغياب المجلس، بوصفه الرقيب على تطبيق الأنظمة الصحفية بالذات. إن كثيرا من الدول المماثلة للمملكة في ظروفها ونظامها السياسي، بل بعض دول الغرب، قد تأخذ بفكرة هذا المجلس، وقد تسند إليه مسؤوليات تنفيذية -كإصدار تراخيص البث الإذاعي والتلفزيوني الخاص- لكن فاعليته تتوقف على توفير أعلى قدر من المهنية والاختصاص والتفرغ، وعلى احتضان ذوي الخبرة المتراكمة في التقنية والفنون الإعلامية والصحفية، ممن يتفوقون في كفاياتهم الاحترافية على غيرهم من العاملين في المجال التنفيذي. بل إن بعضا من الدول تجد في تشكيل مثل هذا المجلس بديلا لوزارات الإعلام نفسها، متى ما كان على درجة مقنعة من التأهيل والفاعلية ومواكبة الأحداث والتقنيات المتطورة، وقد تلجأ بعض الدول إلى تفريغ الأعضاء من أعباء أخرى، ومن أمثلة تلك المجالس هيئة الاتصال الفيدرالية الأمريكية fcc، والمجلس الأعلى للاتصال في فرنسا، وهما الهيئتان المعنيتان بتنظيم شؤون الإعلام في بلديهما حيث لا توجد وزارات للإعلام. التقويم الموضوعي ولو وضع مجلس الإعلام، أو غيره من المجالس الإشرافية، في ميزان التقويم الموضوعي، لوجد أنها تنجح في الدراسات الفكرية التأملية المتأنية، وأنها قد تخفق في التعاطي مع المشكلات الفورية العاجلة والطارئة التي تتطلب الحضور في مشهد الأحداث المتسارعة، وهو ما يفسر نجاح مجلس الإعلام في وضع وثيقة السياسة الإعلامية وإستراتيجية الإعلام الخارجي ودراسات واقع الإعلام السعودي وتشخيصه، وإقامة الندوات المتخصصة، ونحوها من الأعمال التي يرجى أن تجد طريقها نحو التوثيق والنشر قبل أن تغلق هذه المجالس أبوابها وتؤول تلك الدراسات إلى المخازن والمستودعات. ويوضح خالد المالك -رئيس تحرير صحيفة الجزيرة- ماهية المجلس الأعلى للإعلام، أهدافه ودوره، وما كان يرمي إليه حين تأسيسه، قائلا: كان هذا (المجلس) -كما هو معروف- مشكلا من عدة جهات حكومية، وكان الإعلام والثقافة ممثلين فيه من خلال بعض الشخصيات الإعلامية، والشخصيات المشتغلة بالأدب وبالشأن الثقافي، وكان يهدف إلى رسم السياسة العامة للإعلام السعودي في الداخل والخارج، وكان بمثابة جهة عليا تتسم بكونها ذات نظرة إعلامية مواكبة للتطور الذي تشهده البلاد خصوصا في المشهدين الثقافي والإعلامي. وشخصيا أرى أن الأمير نايف، بما يتمتع به من ثقافة واسعة وبحكم موقعه المهم في وزارة الداخلية، استطاع أن يحدث تناغما ما بين الإعلام والعمل الأمني، واستطاع أن يغني الساحة بالكثير من التصورات. وإبان رئاسة سموه للمجلس الأعلى للإعلام، تحقق للإعلام السعودي الكثير من الإنجازات، ولولا تلك الحكمة السديدة التي أدار بها سموه ذلك المجلس لحاد ذلك الإعلام عن الخط المناسب الذي كان حريا به أن يسير عليه. ونحن المشتغلين بالشأن الإعلامي، نعلم علم اليقين أن كثيرا من الأنظمة التي صدرت لاحقا، إنما صدرت جراء تبني المجلس لها، واشتغاله على دراستها قبل صدورها، ومن تلك الأنظمة مثلا (نظام المؤسسات الصحفية الجديد) و(نظام حقوق المؤلف) و(نظام قانون المطبوعات) وغيرها، فضلا عن وضوح وثبات السياسة الإعلامية العامة للمملكة، وباختصار جم، أرى أن المجلس الأعلى للإعلام كان بمثابة صنيعة للتفاهم على إستراتيجية معينة تحمي (الإعلامي) من الوقوع في المحظور، الأمر الذي قد يجعله هو ومطبوعته ومن يعمل معه معرضين للوقوع في مآزق هم في غنى عنها؛ فضلا عن أن تلك المآزق قد تصرفه تماما عن عمله الإعلامي وعن رسالته ودوره وتجعله في شغل دائم بما ليس مجديا وبما ليس خلاقا. لقد كان من ديدن الأمير نايف الوضوح في تعامله مع المشتغلين بالعمل الإعلامي عموما، والصحفي على وجه الخصوص، وكان حريصا على أن تظل خصلة (الوضوح) قائمة بصفة دائمة، ولم يتلكأ سموه -يوما- في دعم الإعلاميين والدفاع عنهم، من دون أن يخل هذا التوجه الواضح بالتوجه العام الذي كان يسير عليه دوما، وكل القضايا التي يتورط الصحفي فيها وتكون خارج إطار القدرة والسيطرة والحل، كانت تصب في مكتب سمو الأمير نايف، ليس لاتخاذ قرار ما بصددها، ولا لإقرار عقوبة في حق مرتكبها لكن لإطفاء ما يمكن إطفاؤه، ولمعالجة ما يمكن معالجته على النحو الذي لا يلحق ضررا بالإعلام أو بالصحافة أو بمن يشتغل في هذه المهنة. والحق أقول إن الأمير نايف لو تعامل وفق ما هو معهود في العالم العربي، ووفق ما هو متبع -عادة- في الكثير من الأجهزة الأمنية العربية، لكان هناك الكثير من (العقوبات) التي إن مست المشتغل بالعمل الإعلامي لألحقت به وبأسرته الكثير من الضرر والعديد من المتاعب، بيد أن الأمير نايف كان -وما زال- متسامحا، إنه في الحقيقة بمثابة الأب والموجه والناصح لكثير من المشتغلين بالعمل الإعلامي الذين سرعان ما يستجيبون لموقف الأمير نايف وهو موقف تسامحي، فيقومون بممارسة عملهم من دون أن يتخلوا عن قناعاتهم التي تأتي منسجمة مع مصلحة الوطن، وتكون رؤاهم سندا حقيقيا لأجهزة الدولة، وعونا واعيا لها لكي تؤدي دورها كما ينبغي، وفي هذا السياق، سأتحدث عن موقف يخصني، لقد ابتعدت عن الصحافة -بوصفي رئيسا للتحرير- مدة 15 عاما، وحين رغب أعضاء مؤسسة الجزيرة في عودتي من جديد لرئاسة تحرير الجزيرة (حدث هذا قبل أكثر من ثماني سنوات)، كان الأمير نايف هو نفسه من اتخذ قرار عودتي إلى الصحيفة، وأبلغ وزير الإعلام بهذا القرار، وقام بتهنئة مؤسسة الجزيرة على خطوتها هذه، ولقد استمعت من سموه من الكلمات ما شجعني على المزيد من العمل في حدود إمكاناتي وإمكانات مؤسسة (الجزيرة)، وهذا الموقف الذي أسرد تفاصيله هنا، ليس سوى واحد من المواقف الكثيرة للأمير نايف، لقد كان بمقدوره أن ينأى بنفسه وبوزارة الداخلية وبالمجلس الأعلى للإعلام عن موقف كهذا، وعن إبداء رأي فيه أصلا، فضلا عن أن يكون له قرار يقضي بعودتي لرئاسة تحرير (الجزيرة). إن الأمير نايف -كأي مسؤول كبير في الدولة- يعنى كثيرا بالثوابت المتعلقة بالدين، إن هذا تحديدا خط أحمر، ومن غير الممكن أن يساء إليه على الإطلاق، ومن الثوابت الأخرى التي يحرص الأمير نايف ألا تمس على صعيد التناول الإعلامي (زعماء وقادة الدول)، وهذه القناعة متأتية بدافع تجنيب الدولة ما قد يحدث لها من الإحراج أو من مواقف يصعب تبريرها. بالإضافة إلى هذا، فإن سموه حريص دائما على أن يكون النقد المنشور في الصحف أو في أية وسيلة إعلامية موثقا ومبنيا على معلومات وحقائق لا تقبل التأويل أو التفسير كأية (شائعة) تطلق جزافا في الشارع العام ليتناقلها عامة الناس من دون إمعان الفكر والنظر فيها، كما أنه يحرص على أن يتصف الصحفي بالصدق والأمانة في كل ما يكتبه، وأن تكون غايته مصلحة الوطن وأمنه وخدمة إنسانه، وأن ينأى بقلمه عن الإساءة المتعمدة أو الإضرار بأي قطاع من قطاعات الدولة التي لم يتم إنشاؤها إلا لخدمة المواطن والصالح العام. وبمنتهى الأمانة، وبعيدا عن أية مجاملة أو مبالغة، أقول بوسع المشتغل بالعمل الإعلامي الاتصال بسموه في أي وقت يشاء، ولا بد أن يجد على الهاتف، وإن لم يكن على الهاتف لحظة الاتصال، وسواء كان في منزله أو في مكتبه، فإنه يكون بعد دقائق على اتصال بسموه للاستفسار عما يريد، فصدر الأمير مفتوح للجميع دائما، وهو متجاوب إلى أقصى حد، حتى في المناسبات الخاصة التي يحضرها الأمير نايف فإنه متاح للصحفي أن ينشر ما تحدث به سموه، ولن يقابل تصرف كهذا بأي نوع من الاحتجاج أو الغضب البتة، إنه يغضب فقط من نشر أية معلومة أمنية تفسد على الأجهزة المعنية فرصة الوصول إلى الخيط الرفيع المؤدي إلى الجناة لتقديمهم للعدالة، كما أن سموه يغضب من التطاول على القضاء، ومن التطاول على المواطن بشكل ظالم. ويرى عبدالرحمن الراشد -مدير عام قناة العربية ورئيس تحرير جريدة (الشرق الأوسط) سابقا، أن الإعلام بشكل عام، والصحافة بشكل خاص، كانتا تتعرضان لتقاطعات مع الأمير بصفته رئيس المجلس الأعلى للإعلام وبصفته وزيرا للداخلية -خصوصا في المناسبات الكبرى وفي القضايا الأمنية- ولقد حدثت بعض النقاشات التي كشفت لنا أن الأمير نايف رجل إعلامي بكل المقاييس، يتضح ذلك من قراءته الجيدة للأحداث ومن ثقافته الشخصية، ولقد كان يتعاطى مع الحدث الإعلامي والصحفي على مستويين هما المستوى الأمني، ومستوى المصداقية، وهو لهذا يلم به من الجانبين إلماما تاما، نظرا لم يتوافر لديه من خلفية معلوماتية وافرة عن الحدث، فضلا عن خبرته الإعلامية الطويلة من خلال مسؤوليته عن الإعلام بشكل عام، وهو بالإضافة إلى هذا كله يتمتع بالقدرة الشخصية وبالميزة الوظيفية اللتين تمكنانه من التعامل مع الإعلام والإعلاميين وفق آلية مبنية على حقائق، ولهذا فإنه ليس ثمة غرابة إن وجدناه حريصا دائما على كثرة مهامه العملية يعطي الوقت الكافي للنقاش والحوار ويرد على أي سؤال أو استفسار بإجابات ممعنة في التفاصيل ومتسلحة بالمعلومات الكاملة والدقيقة، ولأن المملكة العربية السعودية -في غضون سنوات قليلة- قفز عدد سكانها إلى حوالي 25 مليون نسمة، بالإضافة إلى تلك الهجرة الهائلة من القرى إلى المدن والتي أدت إلى اتساع رقعة المدن، وأفضى كل هذا إلى زيادة في القضايا الأمنية بشكل حاد، مما أحدث إرباكا، الأمر الذي أدى -بالتالي- إلى نقل معلومات ناقصة وربما تكون مثيرة للإشكالات بدلا من المعالجة العميقة للقضايا، ومن هنا نلمس دور الأمير نايف في مواكبة هذه المرحلة الملتبسة، وذلك من خلال توجيهاته المستمرة، واطلاعه الدائم والدقيق على كل التحولات التي يشهدها المجتمع. حقوق الإعلاميين ولقد منح الأمير نايف الإعلاميين جملة من الحقوق؛ منها حق الاتصال، وحق الحضور، وحق السؤال والمناقشة، لأنه مؤمن تماما بأن للإعلامي رسالة في المجتمع، تتجلى في مهمة القيام بتنوير الرأي العام، ونظرا لوعيه العميق بهذا الدور وتلك الرسالة، فإن المجلس الأعلى للإعلام -عندما كان لا يزال قائما- برئاسة سموه، كان يذهب بعيدا في تأييد استقلالية الصحف اقتصاديا، وتمكين الإعلاميين من حرية الحركة على الأرض ومد يد العون لهم، وكان هذا (المجلس) بتوجيهات سمو الأمير نايف بمثابة الصديق الصدوق للصحافة والصحفيين، وكان يبدي انحيازا واضحا في مواجهة وزارة الإعلام، وليس ثمة غرابة إن وجدنا الإعلاميين يلجأون للأمير نايف دائما، خصوصا في حال صدور قرارات قاسية تطالهم بشكل عام، وكان سموه يقف في صفهم دائما ضد قسوة القرارات. ومن الوقائع التي تدل على أن الأمير نايف يثري الحوار ويتقبل الرأي الآخر وأنه يستشير الإعلاميين ويستأنس بآرائهم، ما حدث قبل 12 عاما حينما كان الحوار يدور حول (الإنترنت) ومدى السماح به في المملكة، إذ طلب مني إعداد شرح مفصل عن (الإنترنت) من حيث مضامينه ومشكلاته وآلية عمله، ولقد أمهلني سموه ساعتين لإبداء وجهة نظري في ذلك الشأن، وحين اطلع عليها قال لي: إذا كان الأمر كذلك فإني لن أمانع أبدا دخول (الإنترنت) إلى البلد بوصفه خدمة متقدمة، وقال إنه سيوافق على قرار دخوله البلاد إذا وافق سائر أعضاء المجلس الأعلى للإعلام، وكان من رأيه أن نؤسس تصورا واضحا وصحيحا للإنترنت من حيث المعلومات والاستخدام ومسألة الملكية، لأنه كان على قناعة تامة بأن الوقت كان مناسبا لمثل هذا العمل. ويوضح الراشد أمرا بالغ الأهمية في سياق عمله في الحقل الإعلامي، وهو سياق طويل قائلا: «إنني وعلى المستوى الشخصي تحديدا لم أتلق أي اعتراض من الأمير نايف على أي رؤية إعلامية أو على موضوع صحفي، سوى مرة واحدة فقط، عندما فوجئنا باحتجاج من وزارة الداخلية بشأن نشرنا موضوعا صحفيا عن (قضية تفجير الخبر)، ففي ذلك الوقت كانت المعلومات شحيحة جدا، ولكن أحد مراسلينا استطاع أن يلتقي بأحد المتهمين في تلك القضية في (كندا) بعد أن تم القبض عليه هناك، وحصل منه ومن محاميه على تفاصيل ومعلومات رأينا أنها كانت كاملة ووافية، وكان احتجاج الداخلية منطلقا من مبدأ مفاده أن هذا الموضوع لا يزال قيد التحقيق وأن نشره في ذلك التوقيت من شأنه أن يلحق الضرر بآلية تتبع المتهمين الفارين من العدالة، والشاهد أن الأمير نايف لم يوقف النشر، وإنما عبر عن احتجاجه على النشر في ذلك التوقيت وعلى المبالغة التي صاحبت نشر الموضوع. ويثمن الدكتور سلطان البازعي -رئيس تحرير جريدة (اليوم) سابقا- المجلس الأعلى للإعلام، فهو عندما كان قائما وكان على رأسه الأمير نايف كان مؤثرا في العديد من الجوانب الإيجابية، وكان مؤثرا على وجه التحديد لجهة إعطاء الإعلاميين قيمتهم التي يستحقونها، خصوصا أن الأمير نايف كان يقف في صف الإعلامي دائما، وكان ولا يزال يسعى لإعطائه كل حقوقه، ودائما ما يشعر المشتغلين بالشأن الإعلامي بأهميتهم وأهمية دورهم الذي يؤدونه في المجتمع، لقد كان المجلس الأعلى للإعلام جهة تشريعية، وكان بوصفه جهة من الجهات التي شكلتها الدولة لمعاونة مجلس الوزراء في اتخاذ القرار بخصوص قطاعات مختلفة، منها الإعلام خصوصا أن الإعلام كان في وقت من الأوقات بحاجة ماسة إلى دفعة ما، ليتقدم وينمو، وجاء إنشاء المجلس الأعلى للإعلام على غرار مجالس أخرى كثيرة، منها المجلس الأعلى للبترول، والمجلس الأعلى للتعليم العالي، والمجلس الأعلى للخدمة المدنية، وكانت هذه المجالس موصوفة بكونها أكثر تخصصية، وهي بالتالي تعمل وتسهل عملية اتخاذ القرار، كان ولا يزال بوسع المشتغل بالعمل الإعلامي الوصول للأمير نايف بسهولة، لأن الأمير نايف رجل منفتح بطبعة، كما أن الحديث معه سهل كذلك، وهو يشعر من يتحدث إليه بالراحة، ويمنحه الوقت الكافي ليشرح القضية التي جاء من أجلها، كما أنه يستوعب حديثه بصبر منقطع النظير، ويستوعب كل الإشكالات التي يعتقد صاحب القضية أنها كبيرة ومعقدة، بل إنه يسهم في تقديم الحلول لها. جوانب مهمة إن ما أقوله هنا جزء من طبيعة الأمير نايف، ولاشك أن الإعلاميين يشعرون بهذا بشكل مباشر، وأنا أعتقد جازما، أن كثيرا من الإعلاميين كانوا يلجأون إلى سموه لمعالجة قضاياهم والقضايا المتصلة بعملهم، على الرغم من أن المجلس لم يعد قائما، بيد أنه في الوقت نفسه يتعامل مع المقترحات والآراء والأحداث بواقعية، مثلا عندما كنا -نحن الصحفيين- نقدم بين يديه بعض الأفكار والمقترحات مدفوعين بحماس الشباب وبالرغبة الجامحة في التطوير وبالتوق المثالي للتغيير، كان يرحب بما نقترحه، ولم يكن يسخر من أفكارنا وطروحاتنا أبدا، إنما كان يشرح بأناة وصبر كل الإشكالات التي يمكن أن تواجهنا وتواجه أفكارنا، متناولا الظروف وكاشفا عن الأسباب التي لو أخذنا بها فإننا نستطيع أن نحقق ما نحلم به ونسعى إليه، وعلى سبيل المثال، كانت قضية (وعي رجل الأمن وتعامله مع المواطنين) قضية شائكة، وكان يدور عنها وحولها حديث كثير، وكنا كلما طرحناها على سموه يؤكد لنا أن رجل الأمن في النهاية مواطن، وبالتالي فان إمكاناته من إمكانات المواطنين، ووعيه من وعيهم، وهو أولا وأخيرا نتاج هذا المجتمع وثقافته، فإذا ارتقى المجتمع ارتقى رجل الأمن أيضا، وكان يقول لنا علينا أن نسعى ليصبح المجتمع كله راقيا، لأننا إذا استطعنا تحقيق ذلك ونجحنا فيه استطعنا بالتالي الحصول على رجل الأمن الذي نتمناه ونحلم به، لأنه في المحصلة النهائية نتاج مجتمع وثقافة ووعي مجتمعي.. ومن الجوانب المهمة في شخصية الأمير نايف، حرصه الدائم على أن تكون (المعلومة) واضحة وصحيحة ولا تقبل التأويل، لأنه لا يقبل أي تهاون في هذا الصدد، وهو دائما ما يعطي كل موضوع حقه الوافر من الوقت والتمعن والتفكير، ومن مشاهداتي الشخصية، كما كان الأمير نايف يصغي جيدا وبصبر طويل لكل ما يقال، ولهذا مارى وإن كل رجل يستمع بصبر هو رجل حوار، والحوارات والمؤتمرات الصحفية شاهد على ما أقول، إنه يستمع إلى كل سؤال ولم يرفض أي سؤال مطلقا بالعكس دائما، فعندما كان بعض من يديرون المؤتمرات الصحفية التي يكون الأمير نايف من شخصياته البارزة يحاولون إخفاء أو إلغاء أو تحييد بعض الأسئلة، كان سموه يحرص على أن تكون كل الأسئلة مطروحة على طاولة الحوار والنقاش، وكان يعنى بالرد على كل سؤال، ممعنا في تناول التفاصيل ولا يترفع أبدا عن مناقشة من يقوم بطرح السؤال ولم يحدث مطلقا أن تجاهل سموه أي سؤال، ولم يحدث أن يكون قد أعطى أية إجابة ضبابية، أنه يجيب بشكل واضح ودقيق، لأنه دائم الحرص على مبدأ الشفافية وهو منهج ليس جديدا عليه، بل هوا واحد من آلياته التي يحرص عليها دائما.