تشرفت بالعمل مستشارا بالمكتب الإعلامي للأمير سلطان منذ توليه ولاية العهد أي قبل حوالي ستة أعوام ونحن قريبون منه ولكنا لا نعرف من عطائه وإحسانه إلا القليل.. دائما نتفاجأ بعطائه اللامحدود لكل من يصل إليه، ولكل من يعرف عنه ولكل من يسمع به.. جرت العادة أن المكاتب الإعلامية والمستشارين الإعلاميين هم من يعرفون قبل غيرهم بكل خطوة سياسية أو اجتماعية أو خيرية تقوم بها تلك الشخصيات التي يخدمونها قبل أن تعمل وتقوم بتلك الأعمال لأنها تأتي ضمن خطة مسبقة، ولكني مع زملائي بالمكتب الإعلامي كنا نلهث وبصفة يومية تقريبا نحو معرفة ما يقوم به سموه دائما في خدمة أبناء وبنات شعبه ولكافة المحتاجين أيا كانوا.. نلهث نحن القريبون من سموه ليس لتوظيف هذه الأحداث بالشكل الإعلامي الذي يستحقه فهذا لم يكن مطلبا من سموه، ولكن فقط لرصدها وتسجيلها لدينا وحفظها في أرشيفنا الإعلامي.. ما عبر عنه الناس من أقصى المملكة الى أقصاها ومن خارج المملكة من تعابير وأحاسيس ومشاعر صادقة ليس إلا رأس الجليد من العطاء الدائم والبذل السخي للأمير سلطان رحمه الله، فهناك الكثير الكثير ممن لم يستطيعوا أن يظهروا في الشاشات أو يعبروا في الصفحات ولكنهم آثروا أن يكون الدعاء المخلص هو التعبير الحقيقي والوحيد منهم لهذا الرجل الكريم والشخصية المعطاءة.. تشرفت أن أكون سابقا في جميع زيارات سموه الخارجية ومتواجدا معه أثناء تلك الزيارات وكل لحظة من لحظات بقائنا معه أو حوله هي دروس تعلمنا منها الكثير وصقلت شخصياتنا وأوعتنا بكثير من القضايا الداخلية والخارجية تضاف إلى ما كنا نعرفه وندركه في السياسة الدولية والسياسة الداخلية.. لقد تعلمنا درسا لن ننساه ما حيينا وهو أن سلطان بن عبدالعزيز أراد أن يظهر دائما بطبيعته وبدون رتوش إعلامية وبدون إضافات شكلية، فأراد أن يكون هو سلطان بن عبدالعزيز كما يعرف نفسه وسلطان بن عبدالعزيز كما يعرفه الناس.. لم يكن الظهور الإعلامي هدفا ولم تكن الصورة الإعلامية غاية، فقد عطل الكثير من البرامج الإعلامية التي كانت مقترحة لسموه بحكم واجب المسئولية أو طبيعة الأحداث في رغبة قوية من سموه بعدم الظهور الإعلامي وخاصة ما يكون متكلفا أو مبالغا فيه.. لم يعرف الكثير عن سموه أنه في بعض أيامه المعتادة كان يجيب على اتصالات تكون أحيانا بالمئات في اليوم الواحد، منها ما يواسي فيها مريض أو أهل مريض، أو يعزي فيه أهل ميت، أو يتطمن فيها على شخص، أو يهنئ فيها فردا في أي فرح أو مناسبة سعيدة.. ومنها ما يتابع فيها مسئولياته الكاملة في كل الاتجاهات.. وهذا ما أرهقه دائما، ولكنه محب لذلك فهو دائما يقول بأننا هنا لنؤدي واجبا ونخدم شعبنا الوفي لنا دائما.. وعرف عن سلطان بن عبدالعزيز أنه كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في الإعلام السعودي والعربي والدولي، وفي حالة فاته شيء يطلب عاجلا من المكتب الإعلامي تزويده على وجه السرعة بمقال أو برنامج ليقرأه أو يشاهده ويتأكد بنفسه، وبعده يتخذ ما يراه مناسبا في ظل مصلحة الوطن أو مصلحة المواطن. وكثير من الأمور التي تعكس حاجة إنسانية هي اكتشاف مباشر من سموه ويليها توجيه سريع لتقديم يد المساعدة وسبل العون. وكثيرة هي مثل هذه الحالات الإنسانية التي عطف عليها وأسبغ عليها بمساعداته اللامحدودة. ويتلو ذلك متابعاته لمثل هذه الحالات والاطمئنان عليها حتى تستقر أوضاعها وحالاتها. ولم تظهر في وسائل الإعلام ألا حالات محدودة لم يتمكن الأمير أن يتحفظ عليها لكون الاتصال بمثل تلك الحالات لمعرفة وضعها كان بالضرورة من خلال الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى، والنشر لها جاء بإلحاح من الصحف ورغبة منها في تطمين الرأي العام في المملكة أن تلك الحالة قد وجدت طريقها للأمل وسبيلها في المساعدة. وقد كانت الصحف تصر ووسائل الإعلام تلح كثيرا في نشر بعض هذه الحالات لتحفيز الناس وحثهم على فعل الخير وتقديم سبل المساعدة للمحتاجين في المجتمع السعودي وخارج المجتمع. سلطان بن عبدالعزيز في زياراته الخارجية كان احرص ما يكون في الالتقاء بأبناء وبنات الوطن من المبتعثين وأعضاء الجالية السعودية في تلك البلدان، يستقبلهم بابتسامته المعهودة ويتحادث معهم بحديث الأبوة، ويسأل عن حاجاتهم، ويحرصهم دائما أن يكونوا سفراء لبلدهم يعكسون المواطنة المخلصة ويستلهمون مبادئ الشريعة السمحة في معاملاتهم وسلوكياتهم.. ولا يخرج عنهم ألا بعد أن استمع إليهم فردا فردا وأمر بحل مشاكلهم ووجه بنصائحه العميقة لهم.. ونحن نرصد في وجوههم الحب الذي لا ينتهي، ونشعر أنها ذكريات لهم لاتنسي في لقاء سلطان بن عبدالعزيز.. سلطان بن عبدالعزيز كان يلتقي في كل زياراته الخارجية برؤساء تحرير الصحف المحلية المرافقين لسموه وأعضاء الوفد الإعلامي وكان يجلس معهم لفترة قد تمتد إلى أكثر من ساعة رغم برنامجه المزدحم، فقد اخذ لهم من وقت راحته ونومه من أجل أن يبقى معهم مجيبا على استفساراتهم عن الزيارة وعن غيرها من الموضوعات الداخلية والخارجية.. وكان يحرص دائما أن يلتقي معهم ومعه أعضاء الوفد الرسمي المرافق لسموه ليستمع أيضا أعضاء الوفد لما تعبر عنه وتسأل عنه وسائل الإعلام السعودية، وكعادة سموه وبتواضع كبير يحيل بعض الأسئلة إلى من له اختصاص فيها من الوفد الرسمي حتى تكون الإجابة قريبة من الجهاز التنفيذي المرتبط بتلك المشكلة أو الموضوع.. وخلال زياراته الرسمية الخارجية تهب وسائل الإعلام في دول الزيارة لطلب مقابلات إعلامية مع سموه من وكالات أنباء وتلفزة وصحف، وسموه يعلم أنه لا يستطيع أن يلبي كل هذه الدعوات ويعلم كذلك أن مسؤولياته الوطنية تحتم عليه أن يظهر أمام الرأي العام في تلك الدولة معبرا عن سياسة المملكة وعاكسا عمق العلاقات الثنائية بين الدولتين، ولهذا يتم الاتفاق على لقاء واحد لا أكثر مع أهم وسيلة إعلامية لتنقل تلك الوسيلة للرأي العام توجهات المملكة وسياساتها الداخلية والخارجية.. من منا لا يذكر الأمير سلطان عندما كان يجلس بأحد المطاعم في سنغافورة عندما جاء إليه طفل وجلس مع سموه، ولاطفه سموه وتحدث إليه في مرأى من عائلة الطفل.. ثم أخذ ساعته وأهداها إلى الطفل الصغير في ذهول من أهله ومن الحاضرين معه.. ولم يعرف عن وقع هذه الحادثة الإيجابي على من عرف عنها في وسائل الإعلام السنغافورية إلا القليل.. ولم تكن بترتيب جهاز علاقات عامة وإنما كانت طبيعية في منشأها وفي ردة فعلها وفي تداعياتها الإعلامية.. عرف سلطان بن عبدالعزيز بحنكته وبدبلوماسيته في كل تصريحاته الصحافية ومقابلاته الإعلامية، لكنه دائما قويا وبعيدا عن كل أصناف الدبلوماسية عندما يكون الموضوع عن القدس والحقوق العربية، فهذا الموضوع هو محوري، ودائما ما يردد أن إسرائيل يجب أن ترتدع من المجتمع الدولي ويجب أن تعيد للشعب الفلسطيني والعربي حقوقهم المسلوبة، وهذا يشكل ثباتا في كل تصريحاته ومقابلاته وفي جلساته الرسمية والخاصة. وهو مؤمن حق الإيمان أن الفلسطينيين سينالون حقهم شاءت إسرائيل أم أبت. إن سلطان بن عبدالعزيز كما سبق أن ذكر عنه شقيقه سلمان بن عبدالعزيز هو مؤسسة خيرية متنقلة، وهذا بحق وحقيقة هو التعبير الدقيق عن سلطان بن عبدالعزيز فأعماله الخيرية موجودة في كل مكان داخل المملكة وخارجها، ولم يتوانَ يوما من الأيام أن يقف دون تقديم مساعدة لمن يستحق، أو تقديم العون لمن يحتاج.. حتى في رحلاته الخارجية يقوم بنفس الدور وبسرعة فائقة في تقديم العون والمساعدة لمن يحتاج ذلك.. وبنفس مقاييس المؤسسة فسلطان بن عبدالعزيز يعد مؤسسة إعلامية بطبيعته وتواضعه وشخصيته. فهو شخصية جاذبة للإعلام لما عرف عنه من تواضع جم وحسن استقبال ولطف في التعامل.. وسلطان بن عبدالعزيز - دون تكليف أو مبالغة - شخصية صنعت للإعلام وأثرت في الإعلام ودخلت الإعلام بسلاسة وبحب وتقدير.. ولهذا فهو ليس مثل غيره من الشخصيات السياسية الدولية التي تعاني شركات العلاقات العامة ومستشارو الإعلام في زرعها في الإعلام أو إدخالها إلى الرأي العام، وبدون أدنى جهد تجد الإعلاميين من أي مكان في الإعلام راغبين في لقاء سموه والتحدث إليه والتصوير معه وإجراء المقابلات الإعلامية أو عمل تقارير صحفية عن شخصيته الاستثنائية.. ورغم هذا الحب الكبير لسموه من المؤسسات الإعلامية إلا أنه دائما ما يقف ضد النشر عنه، أو الحديث عن شخصيته فهو دائما يقول إن سلطان بن عبدالعزيز ليس إلا مواطن سعودي يؤدي دوره في خدمة دينه ومليكه وشعبه.. ومن الأمور التي يحرص عليها سلطان بن عبدالعزيز دائما هو التعبير الحقيقي عن حبه لخادم الحرمين الشريفين بن عبدالعزيز في كل مناسبة وهو حريص أن يربي هذا الجيل على أن يكون بارا بالكبير ومقدرا للمسئول الأعلى وحريصا على خدمة القيادة.. ومعظم تصريحاته وكلماته ومقابلاته تعبر عن الحب والتقدير والولاء لخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز.. ومما يعزز هذا المبدأ أن بعض الأمور التي ترفع إليه وهو قادر على اتخاذ إجراء فيها يحيلها إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله للتوجيه بها.. رحل من بين أيدينا سلطان بن عبدالعزيز رمز البذل والعطاء وسيد الخير والإحسان، ولكنه خلف وراءه جيلا تتلمذ في مدرسته وتربي في كنفه قريبا كان أو بعيدا عنه.. لقد زرع فينا سلطان قيما ومبادئ سامية أساسها الخير للجميع وقوامها مساعدة الآخرين وامتدادها حب الدين والمليك والوطن.. رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود. المصدر: صحيفة الجزيرة