ورحل العم الوالد الشيخ عبد المحسن بن محمد بن عبد المحسن التويجري، الأديب الأريب، والعقل المتقد النجيب، الذي طالما أعطى بلاده، علما وأدبا ونشاطا منبريا، وحراكا ثقافيا فوق العادي، متقلبا بين الكتابات الأدبية والمقالات، وإلقاء المحاضرات، وتأسيس الكيانات الصحفية العملاقة التي تقف مؤسسة اليمامة الصحفية واحدا من أبرز شواهدها، كونه أحد مؤسسيها، فضلا عن إسهامه في إثراء الواقع الثقافي الاجتماعي بقائمة طويلة من الكتابات التي مثلت إضافة مؤثرة إلى المكتبتين السعودية والعربية. ولأن الخطب جلل، والمصاب عظيم، فإن أكثر من يحضرني للوهلة الأولى ونحن أمام مشهد وداع مهيب لركن من أركان أسرتنا، وعمود شامخ من أعمدة خيمة الوطن الثقافية، تلك الروح الصافية التي كان يلقانا بها، وتلك الابتسامة التي لم تكن تفارق ثغره، حتى في أقسى لحظات الألم. فما أعظمها تلك النصائح التي أخلص الراحل الكبير إسداءها للجميع، وما أغلاها، سواء تلك التي ضمنها مقالاته ومؤلفاته، أو تلك التي كان يخصنا بها نحن أبناء العائلة في مجلسه الذي كان بحق مدرسة تخرج فيها الرجال.. رحلة طويلة قطعها فقيد الوطن في دروب خدمة بلاده، سواء فوق مقاعد العمل العام، أو عبر كتاباته الاستشرافية التي نعيش اليوم وقائع كثيرة قرأها في المستقبل بما أوتي من عمق بصيرة، وثقافة موسوعية. بدأ رحلته مدرسا في المعهد العلمي بالمجمعة، وكان أحد مؤسسيه، ثم انتقل للعمل مديرا للمعهد العلمي بالأحساء، وكلف بالسفر مع أول بعثة تعليمية إلى خارج البلاد إلى مدينة عدن، حيث المعهد العربي الإسلامي، وبعد عودته عمل مديرا للتعليم بمنطقة القصيم، ثم اختير للعمل في وزارة المالية، حيث تدرج في وظائفها إلى أن شغل منصب مساعد مدير عام مصلحة أملاك الدولة، ثم عين أول مدير لإدارة الإعانات الزراعية، إلى أن انتهى به المطاف مديرا عاما للتفتيش بالوزارة، حتى تقاعده؛ لكنه رحمه الله واصل خدمة بلاده من صفوف المتقاعدين، فلما يحمله من ثقافة موسوعية وخبرات واسعة، تعاقدت معه وزارة الشؤون الإسلامية للعمل مستشارا للشؤون الدعوية لمدة خمسة أعوام. وطوال تلك الرحلة كان القلم رفيق درب لم يتوقف مداده، فبدأ بكتابات متفرقة في عدد من الصحف والمجلات، منها صحيفة البلاد، ومجلة اليمامة الشهرية، وصحيفة القصيم التي رافق نشأتها أول مقال له بها. ثم أعطى بعض الاهتمام لعموده الخاص بجريدة الرياض تحت عنوان (من الأعماق). ثم تعمقت علاقته رحمه الله بقرائه في جريدة الرياض فأصبحت له صفحته الأسبوعية التي شهدت على مدار سنوات تغريده في أكثر من أفق ثقافي واجتماعي، وكانت المحطة الأخيرة لشادي الكلمة الذي انتقل إلى جوار ربه.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته. خالد بن عبد المحسن بن حمد التويجري