أين يذهبون .. كثير من اللاعبين ينتهون في ملاعبنا المختلفة مبكرا من حيث بدأوا ويذهبون طي النسيان؟ أين يكمن الخلل هنا؟.. ولماذا نواجه نقصا ملحوظا في صناعة المواهب إذا صح التعبير؟.. بينما المدربون الأجانب يفرضون علينا بدون مواربة ونحن سادرون ضرورة إحضار «المواهب المبدعة» الجاهزة من بلدانهم بطبيعة الحال لكي يحققوا البطولات المزعومة.. ويكدسوا رزم الدولارات الخضراء.. وعادة ما تلبى طلباتهم مهما كانت المعطيات الصحيحة المعاكسة، كل ذلك وأكثر منه بذريعة المعرفة والخبرة والدراية بحاجات الفريق وما إلى ذلك من مبررات وترهات يسوقها هؤلاء لتبرير انتفاعهم عبر «حارة» المواهب المستقدمة «المضروبة» في معظمها، وأن هذا «المنهج» الملتوي هو ما يتبع تماما في الفرق الأوروبية والبرازيلية العريقة.. وكأن فرقنا قد أصبحت في مصاف هؤلاء، و«العينة بينة» أمامنا نشاهدها كل موسم كروي! وتبعا لهذا «التصور» أو الانطباع لا فرق تشن بعض «أنديتنا الغنية» وفقها الله نوعا من «الغارات» والهجمات الموسمية «الانتقائية» تحت ذريعة استكمال احتياجات الفريق وكأنه غريق ينشد العون من الآخرين الذين هم بأشد الحاجة إلى العون أنفسهم، لتسطوا هذه الأندية المفعمة بالمال من مصادر شتى. اللهم لا حسد على بعض «أنصاف الموهوبين» وهم درة شبابها ومعظم ثروتها لدى الأندية المهيضة الجناح و «الأفقر ماليا» التي لا حول ولا طول لها.. لاقتناص بعض أفضل ما لديها، وسرعان ما يعود معظم هؤلاء بعد تجارب فاشلة إلى نقطة البداية والأندية التي انطلقوا منها في الأساس، باحثين عن أي فرص بأي وسيلة.. لممارسة كرة القدم ولو بأقل من رواتبهم السابقة.. والأمثلة متعددة لا حصر لها على كثير من الصفقات المحلية التي انتهت بكوارث فنية ومالية! كيف يمكن للرياضي السعودي أن يطور ذاته ليصبح مبدعا؟ سؤال قد يطرحه بعض الرياضيين على أنفسهم وغيرهم.. ولكنهم قد لا يجدون الإجابات الصريحة الشافية! الإبدع الإبداع ينبع أصلا من الموهبة، وهو فعل وفكر يتعلق بالثقة بالنفس، وفن استكشاف الذات، إنه قدرة اللاعب على «خلق» أو إنتاج شيء مميز جديد في عالم يميز.. عالم لا يتعرف إلا بالتفوق والظاهرة الإبداعية المبهرة. الإبداع مكون وصفة وقدرات يمكن أن تكون موجودة بصورة ما في «أي» رياضي بنسب متفاوتة.. غير أن استكشاف الإبداع والموهبة وإبرازهما يظل مشكلة تواجه الكثير من لاعبينا.. إنه «متجذر» في أعماق كل فرد تقريبا، غير أن «المبدع الحقيقي» هو من يستطيع الوصول إليه.. واستخراجه واستحضاره وتوظيفه.. مهما كانت المصاعب والعوائق والمحبطات.. إنه هناك في أعماق أروحنا وقلوبنا وأفكارنا، ومعظم أبنائنا اللاعبين يعجزون عن انتزاعه من مصادره.. وتفعيله وتوظيفه.. ويمر الوقت وهم عالقون.. حائرون.. في انتظار فرصة يلقى بها مدرب متعال قد يفعل أو لا يرغب حسب مزاجه وأهدافه وأحواله النفسية أو رؤيته إذا كان لديه رؤية حقيقية خلاف رؤية ولغة «البنك نوت» وضيق الوقت، وفي معظم الأحوال قد يكون هذا المدرب الهمام غير في منح الفرص لأنه يريد «وجبات جاهزة» ب«مواصفات خاصة» لم يسهم هو في استحضارها وما يحيط بذلك من محصلات «مالية» وخلافها، ناهيك عن ضيق الوقت كما يزعم بعضهم.. وطموحات المدربين في تحقيق إنجاز يرفع من أسهمه المالية والشخصية والفنية.. والإضافة إلى تضخم رصيده البنكي ثم الرحيل إلى محطة عربية خليجية أخرى.. وهكذا دواليك! فالمال وفير فقط.. هو يبحث عن من يجيد اصطياده من المدربين الحاذقين بذلك ووكلائهم!! سؤال إلى لاعبينا السؤال الموجه لمعظم لاعبينا هو: هل فكر أي منهم في ماهية الفرق بين اللاعب العادي النمطي وذلك الموهوب المبدع؟ هل بحثوا عن الخصائص الفنية والفكرية التي يجب أن تتوفر في لاعب كرة القدم الذي يمكن الاعتماد عليه وتلبية طلباته؟ لو أجرينا استفتاء بين اللاعبين لربما جاءت الإجابات والنتائج مدهشة.. عجيبة مستغربة حينا.. ومثيرة للضحك ومحيرة حينا آخر.. كما حدث «ذات موسم» «أكل عليه الدهر وشرب سنينا»، وظهر من نتائجه «مشروعية» توقعاتنا..! فلم يستسغه أو يقبل به البعض حينها.. واستهجنه «آخرون» وغمزوا من أهدافه ودوافعه وجدوى القيام به أصلا!! منتج رفيع «الإبداع» منتج رفيع المستوى، مميز الخصائص والصفات، يظهر ويتنامى عبر تطوير الموهبة، والالتزام بمقومات الاحتراف الحقيقي العصرية واللوائح والنظم الرياضية المحلية والدولية، ينمو من خلال المشاهدة والمتابعة والتثقيف الذاتي، وطلب المساندة والمساعدة والدعم والنصيحة من الخبراء، والتجديد والتدريب المضني والإصرار وتحمل الصعاب، والتمعن في النقد الموضوعي الجيد، ومتابعة وقراءة مسيرة المبدعين من اللاعبين والرياضيين المحليين والدوليين، وهي عوامل أساسية ستدفع باللاعب الوطني وهو الأهم بالنسبة لنا إلى إعادة صياغة فكره حول ذاته ومواهبه «المدفونة» «المغبونة».. ومحاولة إظهارها.. والخروج إلى دائرة الشيوع والإبداع، وعدم الارتهان إلى النمطية المحلية، أو الاستغراق في إلقاء التبعية على مدرب أو إداري أو صحفي بحجة أنهم يقفون ضده ويعطلون مواهبه، وما شابه من شكاوى وتخيلات وهمية لا سبيل إلى القبول بها. اللاعب الجيد هو الذي يسعى دوما إلى تطوير ذاته، والنظر دوما إلى الأمام، والاستماع إلى المبدعين، وتحويل أفكاره الإبداعية إلى حركة وحقيقة واقعية، وإبراز رغبته في التغير ومحاولة التجديد، وإلزام نفسه ببرامج محددة بمساعدة مدرب متمرس يساعده على استخراج مواهبه، ومن ثم يمكنه إطلاق إبداعياته الخاصة به، لا محاولة تقليد غيره، فلكل طبيعته وتكونه وأفكاره وقدراته البدنية التي لا تتكرر غالبا، غير أن الوصول إلى استخراج الموهبة ومن ثم الانطلاق إلى عالم المبدعين الرياضيين يحتاج إلى روح قتالية وإصرار واستمرارية يفتقر إليها كثير من لاعبينا مع الأسف الشديد؟! كيف يبدع كيف يصبح الرياضي مبدعا؟ هل فكر رياضيونا في ذلك وما هو الفارق بين الرياضي العادي والرياضي المبدع؟ قد تجد أن كلاهما يتمتع بنفس البنية ولكن الفرق يكمن في «الفكر» و«الإدراك» والمواقف والخصائص الذهنية والتوافق الذهني العضلي، حيث يصنف المبدع عادة بأنه غير عادي، ولا يحتاج أحيانا إلى الالتزام ببعض القواعد والمعايير الذي يلتزم بها عامة الرياضيين، ولا يعتقد هؤلاء «المبدعون» أو «يؤمنون» إلا بأنفسهم وقدراتهم الخاصة؟ مثل هؤلاء عادة ما يصنعون ما يعجز غيرهم من الرياضيين على القيام به في معظم مجالات الرياضة، إنهم مميزون، لا يهتمون بالخرافات والمعوقات.. ولديهم قدرة هائلة على محاولة كشف الحقيقة المجردة، وذكاء خلاق، وإقدام على تجربة أفكار وطرق جديدة مختلفة، وغالبا ما يفكرون فيما هو غائب عنهم، وماذا يمكنهم فعله لكي يصبح أداؤهم أفضل باستمرار. مثل هؤلاء لديهم «رؤية خاصة» لا تظهر بالضرورة للآخرين لإنجاز تقدم ما، رؤيتهم هذه عادة ما تكون ذات طابع «حدسي»، أي أنهم ينصتون إلى أرواحهم وقلوبهم التي تدفع بهم قدما في طريق التفوق والإبداع! لدينا مبدعون رياضيون في مجالات رياضية مختلفة، فقد كان الأمير عبدالله الفيصل (يرحمه الله) مبدعا رائدا في إدراكه لأهمية الرياضة ومفهومها التربوي والاجتماعي فعمل على إنشائها وتنظيمها ودعمها لسنوات طويلة، وكان ذا رؤية خلاقة صمدت أمام الصعاب في مرحلة عسيرة حتى انتصر للرياضة السعودية وأقامها على أسس منظمة وقواعد ثابتة. وكان الأمير فيصل بن فهد (يرحمه الله) مبدعا آخر في إقامته للبنية التحتية الهائلة للرياضة السعودية وإعادة تنظيم الاتحادات والأجهزة الرياضة وتجديد نظمها ولوائحها، والدفع بها وفق برامج محددة نحو الإنجازات العربية والقارية والعالمية، والأمير نواف بن فيصل بن فهد مبدع وهو يستكمل مشوار «فيصل» ويسير خطوات أبعد في إخراج الرياضة من شرنقة البيروقراطية والتعقيد والنمطية والأزمات المالية والرياضية والانطلاق بها نحو آفاق التسامح والمحبة والعمل للوطن. والاستمرار في نهج التطوير والإنجاز في المحافل الدولية، فهو إذن المبدع السائر على خطى والده الراحل في استكمال مسيرة الإبداع والإنجاز الرياضي والشبابي السعودي. هناك مبدعون رياضيون.. كل في زمانه ومجاله وحسب قدراته، وهذه النماذج يجب أن تكون نبراسا وقدوة لشبابنا لكي يشقوا لأنفسهم طرقا جيدة من الإبداع والتفوق الرياضي.