من فانكوفر حيث لا ترى إلا رياضا شجراء ومروجا فيحاء وأنهارا تنساب كذوب التبر، وسماء تزينها رياح الخريف بقزعات غيمية كالقطعان البيض ترتعي في مروج بين الخضرة والزرقة.. أقول منها انطلقت صحيفة (سفراء). ففي فانكوفر حيث كنت في تساليم الشتاء وانصراف خريف أكتوبر 2010م دعاني رئيس مجلس إدارة هذه الصحيفة المبتعث حاتم البلوي ومعه رئيس نادي الطلبة السعوديين وقتذاك للحاق باجتماعهم في ساعة متأخرة من الليل، فاتجهت أحث الخطو وأقاوم قسوة البرد فألفيت شبابا تدفعهم العزيمة والطموح «في لحظة كان بني قومي في وطني الحبيب يتجاذبون حول (المبتعثين) ويتشاكسون حول نسبة من يتعاطى منهم! بل ويراهن بعضهم على فشلهم». عقدنا اجتماعنا في النادي السعودي في (رتشموند) وأطلعوني على الفكرة وعرضوا علي شيئا مما أنجزوا.. فعلى الرغم من أن تلك الليلة كانت تتناثر فيها أرتال من الثلوج القطنية تغلق أمام سياراتنا الطرقات ونستعين بالجرافات كان أولئك النفر يدفعون زمهرير ذاك البرد بدفء الحماس للمشروع وقبول التحدي، فظهر أن الثلاثة (البلوي والداود والعنزي) لديهم روح متوثبة تستسهل كل عمل يخدم المبتعثين، وهو ما جعل منهم حاديا يرفه على سالكي طريق الغربة والعلم (وأنا منهم وقتذاك) طول المسير، ويبدد عنهم وحشة الغربة، تذكرت حينها عبارة رائدة من الرجل الأول في الدولة خادم الحرمين الشريفين وهو يوجهها للمبتعثين وينبههم إلى أنهم (سفراء) لوطنهم، وأن دورهم لا يقف عند حدود المهمة التي أرسلوا لها وإنما يتجاوزها ليرسم سمات المجتمع وثقافته وقيمه الإنسانية والإسلامية. نعم لقد انبثق نور هذه الصحيفة (سفراء) يشق صمت السكون الدائم للمبتعثين في الخارج عدا همسات الأندية الطلابية وبدأت (سفراء) وكان لهؤلاء الشباب فضل البداية وكان لي شرف إلقاء كلمة وزير الثقافة والإعلام نيابة عنه في حفل تدشينها، غير أن خشيتي من أن يبدد نور هذا الفجر قتامة الفتور التي عرفنا بها شبابنا ظلت هاجسا مصاحبا لي في البداية، فأشفقت على أولئك الشباب أن تتسلل إلى نفوسهم جراثيم الإحباط التي تجهض كل مشروع، ولكن حينما بدأت الصحيفة في الصدور، وتتابعت أعدادها واتسعت مساحتها لكل مبتعث فوق أي أرض، أيقنت من نجاح أولئك النفر الذين جعلوا من الفكرة واقعا ومن الأماني حقيقة، فسالت أقلام المبتعثين وتتابعت أخبارهم، وشعروا أن ثمة منبرا يمتطونه بدل أن يحمحموا كجياد تعلك اللجما، فلهم الشكر ولي بعض الأماني: أولا: أن لا تأخذ الشباب القائمين عليها نشوة نجاح البداية عن التفكير في الاستمرار والمتابعة «فكأس الماء النظيف لا بد له أن يتعكر .. والماء العكر من الصعب تنظيفه» فالتجديد مطلب يجذب له القراء ويستجيب للرغبات، وبخاصة بعد أن مدت جسورها لتكون صوتا لكل المبتعثين في العالم من اليابان إلى أمريكا. ثانيا: أتمنى أن تلقى هذه الصحيفة دعما من الوزارة لمتابعة شؤونها، ومعرفة شجونها، فالقائمون عليها اليوم مغادرون غدا وطاقم الملحقية المتفاعل معها إيجابا قد يتغير ولكن يجب أن تبقى شجرة الخير هذه تسقى بمداد أقلام المبتعثين وترعى من المسؤولين ليجني أبناء الوطن المغتربون ثمارها، كما أتمنى أن لا تضيق صدور المسؤولين في الوزارة والملحقيات بآراء المبتعثين وتطلعاتهم وأمانيهم فهم يرون (سفراء) منبرا حرا لهم. وأخيرا أتمنى أن لا تشيب هذه البكر وأن لا تستجيب لتتابع الأيام والأعوام وأما نحن معشر القراء سنبقى لها شهودا على الحياة ما دامت تنبض بالحياة وتحياتي. * رئيس نادي جدة الأدبي [email protected]