يجلس المترجم يحيى اللهيبي أمام نحو 50 أصم في الدور الثاني من توسعة الملك فهد في المسجد المكي الشريف، ليترجم لهم خطبة الجمعة للشيخ أسامة خياط بلغة الإشارة وعلى الهواء مباشرة، في مشهد روحاني مهيب، انعكس على محياهم، فمنهم من أجهش بالبكاء تأثرا، وآخرون التزموا الصمت في خشوع وسكينة. ويحرص عدد كبير من تلك الفئة على الحضور لمتابعة خطبة الجمعة في المسجد الحرام على الرغم من العقبات التي تعترضهم، إذ يتوجب عليهم التحرك قبل موعد صعود إمام الحرم على المنبر بنحو أربع ساعات، لتفادي الازدحام الذي يواجهونه خلال طريقهم إلى الموقع الذي زودته رئاسة شؤون الحرمين بحراسة أمنية وموظف مراقبة. «عكاظ» تابعت خطبة الجمعة مع الصم في الحرم المكي، وما أن فرغ الإمام من خطبته، حتى اصطفوا لأداء الصلاة في راحة وطمأنينة، مستمتعين بالأجواء التي لا تتوافر لهم سوى في المسجد الحرام. بدوره، أوضح ل«عكاظ» يحيى اللهيبي أنه بدأ عمله منذ عام 1426ه، مؤكدا أنه يشعر بالسعادة والراحة لأنه يقدم خدمة للفئة التي تعاني من تجاهل بعض الجهات في المجتمع. وقال: «نشأت بيني وبينهم علاقة ود، فيرسلون لي العبارات الجميلة والمؤثرة على هاتفي وأحادثهم من طريق الهاتف المرئي بشكل مستمر»، مشيرا إلى أن مكةالمكرمة تحتضن نحو ثلاثة آلاف من الصم ذكورا وإناثا ولا يوجد بها مكان يؤدون فيه صلاة الجمعة سوى المسجد الحرام. وأفاد أن جوامع مكة كافة تفتقد لمترجم إشارة للخطب، ملمحا إلى أن الصم يضطرون للتوجه للمسجد الحرام على الرغم من المشقة التي يواجهونها. وتمنى تزويد خمسة جوامع على الأقل في العاصمة المقدسة بمترجمي الإشارة، مشيرا إلى أن هناك شحا في عدد المترجمين الأكفاء في لغة الإشارة. إلى ذلك، أعرب ل«عكاظ» عدد من فئة الصم عن معاناتهم من عدم تخصيص وسائل نقل لهم من وإلى الحرم المكي، إضافة إلى افتقادهم مواقف مخصصة لهم، على الرغم من مطالباتهم المتكررة. وأفاد الصم محمد طيب وباسل يوسف وأحمد كلام ياه بعد فراغهم من صلاة الجمعة في الحرم أنهم إذا تأخروا عن التاسعة صباحا، فإنهم لا يتمكنون من الوصول إلى المكان المخصص لهم في الدور الثاني لسماع الخطبة. وقالوا: «على الرغم من أننا نقدم الشكر الجزيل للرئاسة لافتتاحها هذا المكان لنا، ما جعلنا نفهم الخطبة بعد أن كنا نحضر ونخرج دون أن ندرك كلمة واحدة، إلا أن هناك زملاء لنا من مختلف أنحاء العالم يطالبون بوضع لوحات إرشادية على أبواب الحرم ترشدهم إلى هذا المكان»، ملمحين إلى أن هناك الكثير من الحجاج والمعتمرين الصم لا يدركون أنه يوجد مكان خصص لهم في الحرم المكي. وكان مهتمون بقضايا الصم طالبوا بضرورة صياغة آلية تمكن الصم في العالم الإسلامي من متابعة خطبة الحرم المكي من خلال البث المباشر لقنوات القرآن والسنة وبقية القنوات السعودية الأخرى بوضع مترجمين للخطب بواسطة لغة الإشارة ووضع شاشات في بعض جوانب المسجد الحرام ليتمكن الأصم من متابعة الخطب بكل يسر وسهولة. وشددوا على أهمية توفير مترجمين للغة الإشارة في أربعة جوامع في مكةالمكرمة على الأقل ليتمكن الصم من الصلاة فيها والاستفادة من الخطبة ممن لم يستطع الذهاب للمسجد الحرام. من جهته، أوضح رئيس الاتحاد السعودي لرياضة الصم سعيد القحطاني أن في المملكة 72 ألف أصم وصماء، 40 في المئة منهم في سن الشباب في حين يخدم الاتحاد منهم 20 ألف فقط من خلال ثلاثة أندية و16 مركزا للصم.