إذا كان الجميع قد اتفقوا على الدور الثقافي والتنويري للرائد محمد سرور الصبان في محيطه الاجتماعي ودعمه للمجايلين له من الأدباء والشعراء والمفكرين كي يقدموا أنفسهم للعالم عبر رؤاهم وإنجازاتهم وإبداعاتهم، وأسهم فعليا عبر ما كتب ونشر ووزع وطرح وتبنى في بث الروح الثقافية الفعالة والحية في المجتمع المنتظر لهكذا مشاريع في ذلك الوقت وحددنا الأطر التي تجلى فيها المشروع من تأسيس المكتبة وتوزيع الكتب إلى إصدارها وتبني أطروحات مفكريها، وكان كتاب خواطر مصرحة هو الأيقونة التي جسدت هذا المشروع في أبهى حلله. فإن قامة الرائد الصبان كانت تحتشد بالكثير من الأفكار والمبادرات ذات البعد الاجتماعي الثقافي أو ما يطلق عليها مجازا مبادرات المجتمع المدني ويمكن اعتبار جمعية الإسعاف أبرز هذه المبادرات صدى وتأثيرا على أرض الواقع فبرغم أنها تشكلت من أجل جانب صحي وعلاجي وطبي إلا أنها توسعت في مهامها وسجل الباحث حسين بافقيه جانبا من تأريخها بقوله: (كما يرجع الدور الطليعي الذي أدته (جمعية الإسعاف الخيري) إلى قيامها بالدور التوجيهي والإرشادي، كما هو ماثل في عدد من الجمعيات المجايلة لها، وبخاصة المصرية، واستقطابها مختلف الفئات الاجتماعية: رسميا واقتصاديا وثقافيا وشعبيا، وكأنها بذلك تدشن مرحلة جديدة من العمل المؤسسي، بعيدا عن الصور الخيرية التقليدية التي ترتبط بشخص ما، إضافة إلى أن غالبية النخب الحجازية المثقفة، ارتبطت بالأدب، وهو ما جعلها توسع في الدائرة التوجيهية للجمعية لكي تشمل الوعي الثقافي، إضافة إلى خدماتها الصحية والإنسانية، وكأنهم وجدوا في مبناها الميدان المناسب لتناول ضروب من الثقافة الإنسانية الواسعة، خاصة أن المنتديات الأدبية لم تكن متاحة بالصورة المثلى التي ترغب فيها النخب الجديدة، وذلك ناتج عن أسباب مختلفة منها صعوبة الحصول على إذن رسمي بإنشائها، أو لأسباب سياسية، تتعلق بطبيعة المرحلة، كما حدث لنادي (الشبان) الذي أغلقته الدولة قبل أن يحصل على إذن رسمي، في بدايات النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري كما يشير محمد علي مغربي ، ولذلك دعا عدد من الأدباء والمثقفين إلى وجود (رابطة أدبية) تجمع شتات مثقفي الحجاز حينها كما في دعوة أحد مثقفي تلك المرحلة إلى هذه الرابطة التي تجعل من الأدباء كيانا واحدا، ومنشأ هذا التشرذم: هو «.. أن الرابطة الأدبية في بلادنا ضعيفة جدا، وإذا شئت فقل غير موجودة، أي أن كل أديب منا لا يعرف الآخر، ولا يعرف شيئا عن حياته ونزعاته وأفكاره، ولا يسعى لأن يتعرف ذلك، وقلما نجد اثنين يتبادلان الرأي حول موضوع جديد، أو فكرة حديثة، أو مشروع قيم، أو مصلحة عامة.. والغريب أن هذه الفكرة (فكرة وجود رابطة أدبية) لم نفكر فيها حتى الآن، وإذا فكر أحد فيها فهي لم تخرج من حيز التفكير بعد، مع أن وجودها من الضروريات للسير بالحياة الفكرية الحجازية سيرا حثيثا، كفيلا لإحكام صلة التعارف بين الأدباء، ولأجل أن يعملوا كتلة واحدة متضامنة». (متألم، الرابطة الأدبية في بلادنا، صوت الحجاز 21/3/1351ه). وكان من حسن طالع أدباء الحجاز ومثقفيه إبان تلك المرحلة أن (جمعية الإسعاف الخيري) لم تكتفِ بتقديم الخدمات الطبية والصحية، ولكنها عنيت بالتثقيف الصحي، إذ قام أطباء الجمعية، منذ تأسيسها عام 1353ه، بإلقاء محاضرات طبية، حيث أخذت «.. على عاتقها من بدء تأسيسها بمساعدة حضرات الأطباء الأفاضل أن تجعل من دارها مركزا للدعوة الطبية والعناية بالصحة العامة التي تتعلق بأعمال الإسعاف ومبادئه الصحية، وقد سارت الجمعية في عاميها الماضيين على ذلك فكانت تدعو حضرات الأطباء إلى إلقاء محاضرات طبية عامة على الجمهور في أصائل بعض أيام رمضان» (التقرير السنوي لجمعية الإسعاف، عام 1357ه). ويبدو أن الأدباء والمثقفين الذين بح صوتهم من كثرة المطالبة برابطة أدبية، وجدوا في المحاضرات الطبية منفذا لإردافها بمحاضرات أدبية وثقافية! وبذلك دخلوا عهدا جديدا للمنتديات الأدبية المؤسسية، لا عن طريق الرابطة الأدبية أو النادي الأدبي، ولكن عن طريق بوابة (الإسعاف الطبي)!!. ويسجل التاريخ الأدبي أن محاضرة «الرجولة عماد الخلق الفاضل» للراحل حمزة شحاتة أبرز المحاضرات الفكرية التي تبنتها جمعية الإسعاف ويبدو أن هذا الدور الكبير للجمعية جعل القائمين على صحيفة البلاد السعودية أن توسع من دورها ولكن الرائد الصبان رد عليهم برسالة قال فيها: (إلى حضرة الأستاذ الكبير الشيخ أحمد إبراهيم الغزاوي وإلى حضرة الأستاذ صالح محمد جمال.. لقد اطلعت على ما كتبتما في العدد 1115 من البلاد السعودية، وإنني مع الشكر الجزيل أقرر بأن جمعية الإسعاف الخيري قد نجحت لأنها تتمتع برئاسة شرف حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل المعظم ومن رأيي أن تظل سائرة في طريقها، وأستحسن أن تقوم جمعية أخرى تسمى «جمعية المواساة» وسيكون من يمن الطالع إذا تكرم صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل وقبل رئاستها، ويشرفني أن أكون في خدمتها متى اجتمع الإخوان الذين يؤمنون بالفكرة وكونوا مجلسا لإدارتها وأسسوا قواعدها ونظامها، وآمل ألا تقتصر الفكرة على مكة فقط، بل أرجو أن تشمل سائر المدن السعودية.. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح. محمد سرور الصبان وإضافة إلى الجمعية أنشأ أو أسهم في إنشاء عدة جمعيات ومؤسسات منها «جمعية قرش فلسطين» كما أنه على الدوام يسهم في المجالس الأدبية التي أسهم في تكريسها قبيل إنشاء الأندية والمؤسسات الأدبية. • ويروي الباحث محمد عبدالرزاق القشعمي.. ولتتبعي لصحافة الأفراد منذ بدايتها في المملكة فقد وجدت جريدة (البلاد السعودية) تنفرد عن بقية الصحف وتخصص زاوية بعنوان (ندوة أدبية) من العدد 2473 الصادر يوم الثلاثاء 13 من ذي القعدة 1376ه الموافق 11 يونيو 1957م. فنجدها تقول في بداية طرحها هذا الموضوع: «من يمن الطالع للأدب أن يكون له وزراء في هذه المملكة ينتمون إليه وينتمي إليهم، يعتزون به ويعتز بهم. نقول هذا بمناسبة ندوة أدبية عابرة شهدتها حديقة منزل معالي الشيخ محمد سرور الصبان وزير المالية والاقتصاد الوطني حيث كان عبير الأدب المتضوع ينافس عبير الروضة الغناء وقد حضرها أصحاب السعادة وزيرا الأدب الشيخ عبدالله بالخير المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر، والأستاذ خير الدين الزركلي الوزير المفوض، والأستاذ أحمد قنديل المدير العام للحج، ورئيس تحرير هذه الجريدة. وكان ضيف الشرف فيها العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز الميمني الراجكوتي حيث جرى سمر أدبي ممتع تدفقت فيه أفانين العلم والثقافة والمعرفة طيلة ساعتين من الزمن. أكثر الله من هذه الندوات الأدبية التي هي من فوائد اجتماعات الموسم واجتماعياته». وفي العدد التالي ليوم الأربعاء 14 من ذي القعدة وتحت العنوان نفسه نقرأ: «كانت الندوة الأدبية ليلة أمس أيضا في حديقة حضرة صاحب المعالي الشيخ محمد سرور الصبان وكان شهودها السادة الأساتذة: الشريف شرف رضا، إبراهيم فودة، أحمد عبيد، أحمد قنديل، مدني بن حمد، ورئيس تحرير هذه الجريدة وآخرون.. وكان موضوع السمر قصيدة من عيون الشعر وفصيحه جادت بها قريحة شاعرنا الكبير الأستاذ أحمد إبراهيم الغزاوي في رثاء شاعر العرب الأكبر المرحوم فؤاد باشا الخطيب، وكان الحديث يدور سجالا ويدير دفته بلباقته المعروفة معالي صاحب الدار ورئيس الندوة، وقد تفضل معاليه فقرأ على الحاضرين قصيدة الأستاذ الغزاوي وتناقشوا جميعا في أبياتها وفي التعليق عليها، كما روى رئيس تحرير هذه الجريدة كثيرا من محفوظاته من شعر الفقيد فؤاد الخطيب، وانتقل السمر بعد ذلك إلى حديث موسم الحج، وموسم الأدب وكيف التقى الموسمان في هذه الديار قديما بفضل أسواق الأدب المعروفة، وحديثا بالنهضة الأدبية المعاصرة التي قفز في ظلها الأدب إلى مكانته المرموقة الحاضرة » .. ومما سبق يتجلى الحضور الاجتماعي والثقافي للرائد الصبان في محيطه الاجتماعي مجسدا فعل التنوير على حقيقته على أرض الواقع.