في التاسع من مايو عام 1950 كانت نقطة الانطلاقة لفكرة الاتحاد الأوروبي على لسان وزير الخارجية الفرنسي آنذاك «روبير شومان» وفي قمة الرياض الخليجية التي عقدت في ديسمبر الماضي في الرياض أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرة إنشاء الاتحاد الخليجي التاريخية والتي لقيت تجاوبا شعبيا ورسميا خليجيا، والرابع عشر من مايو (أمس) انعقدت القمة التشاورية الخليجية في الرياض لتعزز فكرة الاتحاد الخليجي وترسم خارطة الطريق له . «فمايو» كما يبدو شهر الاتحادات السياسية والاقتصادية والأمنية الناجحة فكما كان الاتحاد الأوروبي حاجة أوروبية ملحة للعبور إلى المستقبل بالنسبة للقارة العجوز فإن الاتحاد الخليجي يشكل ضرورة تاريخية لكي ترسخ شعوب الخليج العربي عناصر القوة التي تمتلكها لتكون في خدمة التنمية والأمن والاستقرار. «روبير شومان» وفي إعلانه الشهير في «صالون الأورلوج» في مبنى الشؤون الخارجية الأوروبية والذي اعتبر وثيقة ولادة الاتحاد الأوروبي قال: «لن تشكل أوروبا دفعة واحدة، ولن يقام بناؤها بشكل شامل، إنما بإنجازات ملموسة تنشئ تضامنا واقعيا». لقد حدد رئيس الدبلوماسية الفرنسية آنذاك روبير شومان مواصفات الاتحاد الناجح فأعطاه ملمحين أو مرحلتين أولا: إنجازات ملموسة. ثانيا تضامنا واقعيا. فكانت الإنجازات الأوروبية بداية عبر العملة الموحدة والقوة العسكرية الموحدة (الناتو) ثم البرلمان الموحد لتكر بعدها سبحة الإنجازات حتى الوصول إلى التضامن الواقعي رغم الاختلاف باللغة والمعتقدات بين الدول الأعضاء. على خلفية هذه التجربة الأوروبية فإن دعم القمة التشاورية الخليجية لمشروع الاتحاد الخليجي يعكس رؤية ناضجة ومهمة في جسر العبور من الكيانات المتفرقة والعمل الفردي إلى الكيانات الواسعة والعمل الجماعي فالبناء يبدأ بحجر وعندما ينتهي هذا البناء يكون عبارة عن حجارة رصفت فوق بعضها باتقان وحرفية وحكمة لتصبح جسما واحدا غير قابل للتفكك وقادر على مواجهة التحديات التي ستعترضه في المستقبل. مرحلة الإنجازات التي على الاتحاد الخليجي المرور بها ليست بالصعبة لأن البند الثاني من حالة الاتحاد موجود بالفطرة ألا وهو «التضامن الواقعي» كما عبر عنه «الوزير شومان» فدول الخليج يجمعها التاريخ واللغة والمعتقد والبيئة الواحدة وهي فطريا تعيش حالة تضامن واقعي مما يسهل عملية الإنجاز على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية ليكون الحلم الخليجي قاب قوسين أو أدنى من التحقق. لقد دخلت مفردة «الاتحاد» باكرا في قاموس الشعوب العربية والإسلامية عامة والخليجية خاصة، لقد تعلمت هذه الشعوب أن في الاتحاد قوة هذا ما قرأه الطلاب في كتبهم الدراسية وهذا ما رواه الأجداد في قصصهم الشعبية. لقد دقت الساعة كي تتحول القصة إلى واقع والدرس النظري إلى تجربة عملية وكما تقول الأغنية «أصل الرمانة زهرة» فمبارك للشعوب الخليجية «زهرة الاتحاد» القادمة . ونأمل من الدول العربية تبني مشروع اتحاد مماثل حتى ولو من حيث المبدأ لكي تتكامل الجهود الخليجية والعربية ونستطيع مواجهة العالم بصوت واحد.