ولأن العالم أضحى على كف شاشة، كما قال الصديق الدكتور عبدالله الغذامي، فقد تابعت كما تابع الكثير غيري الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة. أعترف أن نتائج تلك الانتخابات قد لا تهمني كثيرا واستحضر تحويرة من صديق عزيز لأبي العلاء المعري (مع شيء من الدعابة): غير مجدٍ في ملتي واعتقادي ... فوز أولاندٍ ولا خسارة كوزي. إلا أن عملية الانتخابات وما رافقها وتبعها لا بد أن تهمنا جميعا، فقد أظهرت مبدأ التدوال السلمي للسلطة وعززت بجلاء سلوكا حضاريا من قبل المتنافسين على سدة الرئاسة. لقد بادر ساركوزي الخاسر بالاعتراف بالهزيمة فور إغلاق صناديق الاقتراع وإعلان النتيجة، فاتصل بالفائز «أولاند» لتهنئته. ثم خاطب الشعب الفرنسي قائلا: لقد فشلت في إقناع الناخبين بالتصويت لي. وبعد أيام شارك الاثنان سويا في الاحتفال بذكرى ضحايا الحرب العالمية الأولى. إذن فهذا السلوك الحضاري الذي نفتقده كثيرا في عالمنا العربي وفي عالمنا الثالث بشكل عام، هو ما يهمنا كثيرا في هذه الانتخابات وهو ما ينبغي أن نسعى إلى تعزيزه والتعلم منه في مسيرة الانتخابات التي بدأت في مجتمعنا، من منطلق أن الحكمة ضالة المؤمن.. درج الكثيرون على أن يصنفوا الدول أو المجتمعات برمتها على أنها «ديمقراطية» أو «غير ديمقراطية». إلا أن التعمق في مفهوم الديموقراطية والتعامل مع الآخر وثقافة التعامل مع الهزيمة في المضمار السياسي هي من وجهة نظري ثقافة الفرد بالدرجة الأولى وثقافة مجتمع بالدرجة الثانية وليس العكس. وعندما يصبح الأفراد الذين يؤمنون بتلك الثقافة أكثرية في المجتمع فإن المجتمع بأسره ينصبغ بتلك الصبغة. عندها يبدأ المجتمع في التأثير على الفرد ويعزز تلك القيم لديه. وللتدليل على أن ثقافة الديمقراطية وقبول الرأي الآخر وتقبل الهزيمة السياسية هي في الأساس ثقافة الفرد أشير إلى المثالين التاليين. في السودان الشقيق، والذي سوف يسارع الكثير إلى تصنيفه في عداد المجتمعات غير الديمقراطية، تأتي تجربة الرئيس سوار الذهب. قام سوار الذهب بانقلاب عسكري عام 1985 لتخليص بلاده من نير ديكتاتورية العسكر، ووعد بأن يسلم سدة الحكم خلال عام. وقد وفى الرجل بوعده. إن السلوك الديموقراطي واضح جدا في تسليم سوار الذهب السلطة للحكومة المنتخبة. في المقابل، وفي أمريكا التي سوف يسارع الكثير إلى وصفها في عداد الديمقراطيات، نشهد شخصيات مثل ديك تشيني وجورج بوش الابن الذين تبدى سلوكهما المحتقر لمبادئ الديمقراطية في المحاولات الحثيثة في تغيير نتائج الانتخابات الأمريكية عام 2001. الفكر الديمقراطي هو فكر فردي أولا قبل أن يصبح سلوكا مجتمعيا تعززه الأنظمة.