لم يكن مساء الخميس في قصر المؤتمرات بالرياض مثقلا بالبروتوكول ومقيدا بالرسميات بقدر ما كان محفوفا بالحميمية والود والوضوح والمشاعر الدافئة. هكذا بدا لي ذلك المساء الذي هبطت فيه مصر بقضها وقضيضها قلب المملكة، لتجده كما هو دائما، ينبض بالصدق والوفاء والأصالة.. وحين أقول إن مصر هي التي جاءت فتلك هي الحقيقة لأن ذلك الحشد ضم نماذج من كل شرائح وأطياف وتوجهات وفئات المجتمع المصري. سياسيين ومثقفين وإعلاميين وأكاديميين ورجال دين مسلمين وأقباطا، فنانين ورياضيين وكتابا وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني، انتظموا في عقد تدلى من السماء لتحتضنه القلوب قبل أن تراه العيون. تلك هي مصر التي نعرفها ونحبها، وذلك هو شعبها الأصيل الذي جاء لكي يمسح غشاوة طارئة ويزيل غلالة حاولت أن تحجب الحقيقة وتزيف الواقع. بكل بساطة وتلقائية بدأ تبادل الكلمات بين الجانبين، طرح الأمير سعود الفيصل في كلمته الموجزة المركزة ما تشعر به المملكة وشعبها تجاه مصر، محذرا من الذين يريدون الاستفادة من تعكير علاقة تاريخية وثيقة، ومؤكدا احترام المملكة لخيارات الشعب المصري في تحديد مستقبله. ليؤكد بعده رئيس مجلس الشعب المصري مكانة المملكة وشعبها لدى مصر والمصريين، وأن هذا الطيف المتنوع ما جاء إلا ليدعمها ويحرص على ترسيخها، منوها إلى أن المملكة ومصر قامتان فارعتان تستطيعان بوئامهما قيادة الأمة العربية.. كلمتان مختصرتان معبرتان، ليبدأ بعدهما حديث الجميع مع الجميع بمنتهى الحرية والعفوية والشفافية.. على مائدة العشاء كان بجانبي ثلاثة يمثلون تيارات مختلفة في التوجهات وربما متصادمة في بعضها، لكنهم كانوا بعد نقاش الاختلاف يعودون إلى روح جماعية جميلة تتخللها النكتة والطرفة، وكنت أتساءل طالما أنتم في النهاية بهذه الروح لماذا يطول مشوار الخلاف وتسير الخطى بطيئة متعثرة تدفع مصر ثمنها باهظا من دماء أبنائها وأمنها واقتصادها وحركة الحياة فيها. لماذا يا إخواننا لا تفضون السامر وتجعلون مصر تنتشل نفسها وتلتقط أنفاسها وتسير على قدميها بخطى ثابتة إلى المستقبل. لماذا تجعلون الوقت استثمارا جذابا لمن يريدون المزايدة على مستقبل مصر، ومن يريدون إفساد علاقاتها بممارساتهم اللا مسؤولة. لماذا تتيحون فرصة للأيدي الخفية كي تندس في شرايين مصر وتعبث بها وبمكانتها وتفسد أواصر الود ووشائج المحبة مع أكثر الشعوب قربا لها واختلاطا بها. أسئلة كثيرة كان لا بد من طرحها لأننا حريصون كل الحرص على أن يزول الاستثنائي ويبقى الأساسي في علاقتنا بمصر، علاقة الاحترام المتبادل والحرص على ثباتها ومناعتها ضد المؤثرات، وما أخال ذلك الطيف من العقلاء والمحبين إلا على درجة كبيرة من الإدراك للمثل القائل: العتب على قدر المحبة. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة [email protected]