حركة دؤوبة يشهدها حي الخالدية في نجران، تبدأ مع شروق الشمس ولا تهدأ إلا بعد منتصف الليل، وفي الوهلة الأولى لدخولك هذا الحي، يتراءى لك أنك خارج الوطن، إذ تغلب الوجوه ذات السحنة الآسيوية على المكان، التي تنتشر في كل ركن من أركان الحي، وفي الشوارع الخلفية والأزقة والحارات، وما أن تدخل، حتى يتهافت عليك الجميع وكأنك صيد ثمين لكل واحد فيهم. تعلو أصواتهم في أذنيك بدعوات مختلفة ولكنات ولهجات متنوعة، يعرضون عليك خدماتهم في أي مجال ترغبه، وبأسعار مغرية تنافسية، ولا ينصرفون عنك إلا بعد التأكد من أنك لست من الزبائن الآخرين الذين يبحثون عن خدمات في الصيانة أو الأعمال، حيث إنهم جاهزون لأي عمل تحتاجه، فيعودون إلى مواقعهم مترقبين صيدا آخر. كاميرا «عكاظ» رصدت هذه المشاهد من هذا الحي الغريب في طبيعة سكانه ونوعياتهم: ترجلت من سيارتي حاملا الكاميرا، الشوارع والمحلات مكتظة بالعمال من مختلف الجنسيات، حتى أنني شعرت بأنني المميز الوحيد بينهم بزيي الوطني، طفت من بداية الشارع إلى نهايته، ونظرات متتابعة تلاحقني في كل خطوة، المحلات مختلفة في أنشطتها من أقمشة، بقالات، خردوات، خضروات ممتدة على الأرصفة، مطاعم متخصصة في الأطعمة الآسيوية المتنوعة، وجماعات متقاربة من بعضها البعض في أحاديث لا تنقطع بأصوات خافتة حينا وأصوات مرتفعة حينا آخر. دخلت إلى الشوارع الضيقة بالحي، مساكن شعبية ضيقة لا تتجاوز مداخلها مترا واحدا، ملابس معلقة على امتداد الطريق بألوان مختلفة أمام الأبواب وأخرى أمام الغرف، كل ذلك بالإضافة إلى ورش لصيانة السيارات مخبأة في مداخل بعيدة عن الأنظار تحيط بها المساكن أو المزارع، كما تحيط بها الخردوات والحديد الذي يباع مرة أخرى وثالثة ورابعة. وعند نهاية الحي، يقطن العديد من المواطنين على مقربة من تلك المنازل العشوائية المكتظة بالعمالة، ولم يبد السكان تخوفهم وقلقهم من واقع هذا الحي وتزايد أعداد العمالة المخالفة فيه بشكل كبير وملاحظ، خصوصا أن محاضر الشرطة سجلت العديد من حالات الانتحار وحوداث القتل والسرقة في هذا الحي. يقول منصور سالم اليامي، إن حي الخالدية بات في السنوات الأخيرة مرتعا للعمالة الأجنبية التي تسيطر على معظم المحلات وتعيش على شكل جماعات داخل الغرف والمنازل العشوائية دون رقابة «خصوصا أن هناك أزقة وشوارع ضيقة تصعب متابعتها أو الدخول إليها بشكل يومي». ويضيف اليامي «يجب أن تتضافر جهود المواطن والمسؤول لجعل الحي بشكل أفضل وتنظيفه من تكدس العمالة في هذه المنازل بشكل عشوائي كي يمكن الجهات الأمنية أداء مهامها سواء دوريات أو حالات طارئة كالدفاع المدني، ومراقبة الجهات الأخرى لمثل هذه الأحياء بشكل مستمر ومتواصل والقدرة على الوصول إليها بكل سهولة»، فيما قال كل من فيصل الشريف وعبدالله القحطاني وأحمد الزهراني إن هؤلاء العمالة سائبة ويتكدسون بشكل مخيف على الطرقات وفي الأزقة «وغالبيتهم من العزاب ويحدثون الكثير من المشاكل والحوادث اليومية، وهناك من يستغل هذا الوضع لارتكاب جرائم داخل هذه الأوكار العشوائية». الناطق الأمني الإعلامي بشرطة نجران النقيب عبدالرحمن بن محمد الشمراني، قال إن حي الخالدية مؤمن من قبل الجهات الأمنية على مدار الساعة «ويخضع للمسح الأمني من قبل الدوريات الأمنية الرسمية والسرية التابعة للشرطة على مدار الساعة»، مؤكدا أن شرطة نجران تضطلع بتوجيه وإشراف مباشر من قبل مدير شرطة المنطقة العميد صالح بن علي الشهري بتنفيذ حملات تفتيشية مفاجئة ومنظمة من جميع الأجهزة الأمنية على أحياء نجران ومن بينها حي الخالدية «لمتابعة المخالفين لنظام الإقامة والعمل والقبض على المطلوبين أمنيا وضبط المخالفات الأمنية، وكذلك العمالة السائبة والمتسولين والباعة المتجولين وكل ما هو مخالف للأنظمة والتعليمات، ومن ثم يتم إنهاء إجراءاتهم من قبل الجهات المختصة كلا حسب اختصاصه». من جانبه، أكد الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني في نجران النقيب علي بن عمير آل جرمان، أن مدني نجران دائما على استعداد لمواجهة أي حوادث وحماية الأرواح والممتلكات «وإن وجدت بعض العوائق والصعوبات في مواجهة بعض الأحياء الضيقة والأزقة وما يتطلبه من جهد كبير للوصول إليها». وأضاف النقيب آل جرمان «ورغم ما تعانيه هذه الأحياء التي يوجد بها منازل عشوائية وضيقة إلا أن مدني نجران مضطر للتعامل مع أقصى درجات الخطر في سبيل إنقاذ الأرواح بالوسائل المتاحة، خاصة في هذه الأحياء القديمة والأسواق المكتظة»، مشيرا إلى أن هناك لجانا تم تشكيلها لمثل هذه الأغراض، خاصة مثل الأحياء القديمة والمنازل الآيلة للسقوط والمزدحمة التي لا تستطيع سيارات الدفاع المدني الوصول إليها بسبب ضيق الطرق والأزقة، «بحيث تتم إعادة تنظيم هذه الأحياء وفتح الطرق والعبور عبرها في حال وجود أي كوارث -لا سمح الله- مثل الحرائق أو انهيارات منازل»، مؤكدا أن هذه اللجان لا تزال تقوم بمهامها في اجتماعات ولقاءات متجددة للهدف ذاته. من جهتها، أوضحت مصادر مطلعة بجوازات منطقة نجران، أن جوازات نجران تقوم بحملات تفتيشية ضمن الحملات الجماعية التي تنفذها الأجهزة الأمنية المشتركة في جميع الأحياء «يتم خلالها القبض على عدد من المخالفين لأنظمة الإقامة ويتم التعامل معهم من الجهات الحكومية للتعامل معها». من جهته، شدد مدير جوازات المنطقة العميد مفرح بن عايد العنزي، على عدم التعامل مع هؤلاء المخالفين لنظام الإقامة «سواء بإيوائهم أو نقلهم أو تشغليهم، وهذا يعد مخالفة تستدعي العقوبة المقررة نظاما، بحق مرتكبيها وذلك لما تشكله هذه الظاهرة من ضرر على أمن واقتصاد الوطن».