لا ريب في ان مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث.. يعد نقلة حضارية نوعية تاريخية في المسيرة التنموية للمجتمع السعودي.. فلقد أشرع هذا البرنامج الرائد منذ العام 2005م الأبواب أمام شبابنا لينهلوا من معين العلم والمعرفة في أرقى صروح العلم على مستوى العالم. ويجسد هذا المشروع الكبير حكمة القيادة.. وواقع الازدهار الذي تعيشه بلادنا بفضل المولى جلت قدرته.. فلقد كنا إلى عهد قريب نواجه صعوبات كبيرة في توفير فرصة ابتعاث واحدة. أذكر عندما كنت مشرفا عاما على التدريب والابتعاث في وزارة الصحة أننا كنا نجد صعوبة بالغة في توفير فرص ابتعاث لأطباء في تخصصات نادرة مثل التخدير وجراحات القلب والصدر والأوعية الدموية.. وغيرها.. بينما نجد اليوم أن نحوا من 120 ألف مبتعث ومبتعثة يواصلون تحصيلهم العلمي في مختلف التخصصات العلمية في مؤسسات علمية عالمية في العديد من الدول المتقدمة. حتى قيل إنه لا تكاد هناك أسرة في المجتمع السعودي إلا ولها ابن أو ابنة تتلقى تعليمها في الخارج. وقبل أن أتحدث عن السلبيات وأوجه القصور في تعامل الملحقيات الثقافية مع المبتعثين.. لا بد لنا أن نتحدث عن الإيجابيات وننوه بجهود العاملين في الملحقيات إزاء الحجم الكبير للعمل الناتج عن العدد الكبير للمبتعثين.. ولا سيما الملحقية الثقافية في الولاياتالمتحدة وهي الدولة التي تحتضن العدد الأكبر من أبنائنا وبناتنا.. حيث يتواجد بها نحو 70 ألف مبتعث ومبتعثة.. فلقد أنجزت الملحقية توقيع 145 اتفاقية مع كليات ومستشفيات طب أمريكية.. ووفرت البوابة الإلكترونية لتيسير معاملات المبتعثين والمكتبة الإلكترونية التي تحتوي على جميع رسائل الدكتوراه والماجستير منذ بداية الابتعاث السعودي وحتى الآن.. كما وفرت التأمين الطبي للمبتعثين من خلال شركة تأمين متخصصة.. ونظمت أعمال الأندية الطلابية حتى أصبح في الولاياتالمتحدة حاليا 185 ناديا طلابيا.. وتنظم الملحقية أكبر يوم مهنة في تاريخ الابتعاث للمساهمة في توظيف الخريجين من المبتعثين يشارك فيه أكثر من 100 شركة من القطاع الخاص. ** ولكن.. هناك عقبات تواجه المبتعثين في الولاياتالمتحدة وسلبيات يتوجب معالجتها بصورة فعالة وعاجلة.. وحاجة إلى التأكيد على جميع العاملين في الملحقية بأن الهدف من وجودهم هو خدمة المبتعثين والعمل على تيسير مهمتهم التعليمية. فالبعض يظن أن المبتعث ينعم برحلة ترفيهية.. بينما واقع حال المبتعثين الذي يدركه من خاض تجربة الابتعاث يحفل بالكثير من معاناة الغربة وضغوط الدراسة وصعوبات الحياة. ولعل من أبرز السلبيات التي عبر عنها الكثير من المبتعثين في الولاياتالمتحدة، ما يلي: سوء تعامل بعض المشرفين الدراسيين وتأخرهم في الرد على استفسارات الطلاب.. وتجاهلها أحيانا. تأخر الملحقية في دفع الرسوم الدراسية للجامعات.. الأمر الذي يترتب عليه دفع غرامات مالية يجبر الطالب على دفعها حتى لا يحرم من الدراسة. التأخر في الرد على طلبات المبتعثين التي تقدم عبر البوابة الإلكترونية الى شهور في بعض الأحيان! يجبر المبتعث على تأخير طلب تمديد البعثة إلى ما قبل نهاية البعثة بثلاثة شهور.. وذلك يسبب له ضغوطات ومشاكل مع أصحاب السكن والجامعة ومدارس الأبناء وغيرها. تأخر بعض المشرفين الدراسيين في إصدار الضمان المالي ما يترتب عليه إيقاف دراسة المبتعث! عدم وجود آلية واضحة لاستقبال شكاوى الطلاب والتبليغ عن مشاكلهم. المعاناة الكبيرة التي يمر بها المبتعث عند تحويل ملاكه من برنامج خادم الحرمين الى ملاك احدى الجامعات.. حيث تتوقف بعثته وتتوقف رواتبه وتتوقف دراسته.. ويتحمل المشرف على مبتعثي الجامعة مسؤولية كبيرة في هذا الأمر الذي يعكس قصورا واضحا في أدائه وغياب اهتمامه بمسؤولياته. عدم كفاية راتب المبتعث فتكاليف الحياة عالية.. ولا سيما المبتعثون الذين لديهم أبناء يحتاجون الى حضانة.. فتكاليف دور الحضانة باهظة. ** ولكن المشكلة الأكبر التي آثرت الحديث عنها أخيرا تتمثل في إيقاف راتب (مكافأة) المبتعث.. وهو الإجراء الذي تتخذه الملحقية لمعاقبة المبتعث.. وهو بكل تأكيد إجراء غير واضح ولا يمكن تبريره على الإطلاق.. والعجيب انه من صلاحية المشرف التعليمي! ويتحدث مبتعثون عن تهديدات عجيبة بإيقاف الرواتب يمارسها بعض المشرفين الدراسيين. ولا شك في أن إيقاف راتب المبتعث في الغربة وتركه دون مال يقتات به هو أمر بالغ الخطورة لا ينسجم مع الدور التربوي والحس الإنساني الذي يتوجب على الملحقية أن تتبناه.