في واقعنا نفتقد إلى العمل الأخلاقي في كافة جوانبنا الحياتية؛ الافتقاد الذي يجعلنا أمام معضلة في فهم العمل الأخلاقي، وتجيير الكثير من تصرفاتنا في غير مكانها، أو التعامل معها بوصفها وسيلة لمبتغيات أخرى نفرضها فوق المبدأ الأخلاقي حتى غدت بعض الجوانب الأخلاقية جوانب ضعف في نظرنا للآخر. العفو والتسامح مثلا بوصفهما خلقين مثاليين في التعامل مع المقابل ينظر لهما له على أنهما ضعف في السلوك البشري، ولا ينظر لهما بوصفهما خلقا يراد الامتثال به أمام المختلفين من الناس، فيتم الالتفاف عليه في جوانب كثيرة، أو استغلاله لصالح عمل يتجاوز مفهوم التسامح إلى التعدي على هذه القيمة، لكي تتحقق جوانب أخرى مناقضة تماما لمفهوم التسامح. إننا ننظر للأخلاق ليس باعتبارها رؤية إنسانية مثالية بقدر ما هي وسيلة يمكن أن تتحقق من ورائها الكثير من الأعمال الأخرى، أي أننا ننظر إلى الأخلاق كمعطى نفعي لرغباتنا وحاجاتنا وتطلعاتنا دون النظر إلى الأخلاق باعتبارها مبدأ في ذاتها، أو غاية في نفسها، بمعنى أنني أتعامل معك ليس لأنني أنظر إلى هذا التعامل الأخلاقي كمبدأ متحقق إنسانيا قبل أي شيء آخر، إنما أبتغي من ورائه أمورا كثيرة لعل من ضمنها مثلا الرغبة في دعوتك إلى تبني وجهة نظري الشخصية، أو رغبتي في دعوتك إلى اعتناق ديني أو فكري أو مذهبي أو غيرها، وهذا بالتأكيد وإن كان هدفه في نظري سليما حين التعامل معك به إلا أنه في رأيي يتعامل مع الأخلاق بوصفها وسيلة لا غاية في حد ذاتها. إنني حينما أتعامل معك يجب أن أتعامل معك بوصفك إنسانا قبل كل شيء، هذه الإنسانية هي الغاية بحد ذاتها دون أهداف مسبقة بذلك، وبغض النظر هل تتحقق بعض الرغبات أو الأهداف الجانبية أم لا، أقصد تحويلنا الأخلاق من وسيلة إلى غاية بذاتها.