حين كنت أنتظر دوري في الخدمة في أحد مكاتب الخطوط السعودية في الرياض سمعت امرأة تجادل الموظف حول استعادة قيمة تذاكر اشترتها بأسماء أطفالها الثلاثة، والموظف يؤكد لها أن نظام الخطوط لا يسمح بتسليمها النقود ولابد من حضور والد الأطفال ليستلمها، كادت المرأة تجن، صرخت: لِمَ ؟! أنا التي اشتريت التذاكر وأنا التي دفعت قيمتها فلم تعاد القيمة لوالد الأطفال وهو لم يدفع شيئا؟ واضعو أنظمة الخطوط السعودية ما زالوا يغطون في سبات عميق، فهم ما زالوا على (خبرهم القديم) يظنون أن المعيل الوحيد للأسرة هو الأب وأن قيمة التذاكر خرجت من جيبه ويجب أن تعود إليه!! العقلية التقليدية لا تفترض أن الأبوين قد يكونان شريكين في الإنفاق على الأسرة، أو أن يكون الأب عاطلا والأم هي التي تعمل وتنفق، أو أن يكون الأب مطلقا أو هاجرا لأسرته أو مسافرا أو مسجونا، هي لا تفترض أي شيء من هذا، كل ما تعرفه هو أن العادة جرت أن الأب هو الذي ينفق وأنه هو صاحب الحق في المال المسترجع. بعدها جاءت امرأة أخرى، تطلب استرجاع قيمة عدد من التذاكر تخص أشخاصا بالغين فكانت الإجابة: «لابد أن يحضر صاحب التذكرة ليستلم المبلغ». تجادلت مع الموظف لعلها تثنيه عن رأيه، أخبرته أن أحد الركاب مقعد والآخر مسافر فكيف يجيئون لاستلام قيمة تذاكرهم؟ أبدى الموظف تعاطفه معها لكنه (النظام ياسيدتي)! إصرار السعودية على تسليم قيمة التذاكر المسترجعة لصاحب التذكرة نفسه أو لوالده إن كان طفلا، ليس معيقا ومزعجا لأصحاب التذاكر المسترجعة فحسب وإنما أيضا يضاعف عبء العمل على الخطوط،فبدلا من إعادة قيمة التذاكر دفعة واحدة لشخص واحد، يتكرر القيام بتلك المهمة لأكثر من مرة بعدد أصحاب التذاكر المطلوب استرجاع قيمتها، فلا غرابة إذن إن امتلأت مكاتب الخطوط بالمراجعين وكثر الزحام فيها. لم لا تعاد قيمة التذاكر لمن دفعها حتى وإن كان السائق، كل ما تحتاج إليه السعودية هو أن تطلب عند شراء التذاكر توقيع المشتري على نموذج بأسماء الأشخاص المخولين باسترجاع قيمة التذاكر متى اقتضت الحاجة ذلك. تصرف بسيط لكنه يوفر على الطرفين كثيرا من الوقت وكثيرا من التوتر والتبرم. أما ثالثة الأثافي، كما يقول تعبيرنا العربي الخالد، فهي أن السعودية في نومها العميق لم يبلغها أن المرأة دخلت المدرسة وصارت تستطيع أن تكتب اسمها بالقلم!! خطوطنا العزيزة لا تعترف بتوقيعات النساء، وعلى المرأة التي ترغب في استرجاع قيمة تذكرة دفعتها أن تبصم في مكان التوقيع!! كدت أقول للسعودية وداعا لا لقاء بعده، لكني تذكرت أن الجمل هو البديل!!