أول ما شدني في قرية المذنب، وجذب انتباهي كان قصر «باهله» ومنزل الشيخ الغيلان الأثري، اللذين تحديا الزمن ووقفا في وجه التقلبات الجوية وموجات التصحر المتتالية عبر الزمن، فضلا عن 384 منزلا طينيا تمثل قيمة تراثية وتاريخية، وسوق المجلس المكون من أكثر من 40 محلا تجاريا المعروفة باسم (الدكاكين) ومفردها (دكان) وقد أعيد بناء السوق وروعي في بنائه النمط المعماري القديم واستخدمت الخامات والمواد الموجودة من الموقع نفسه، بعد الاستعانة بكبار السن والمختصين في البناء القديم والترميم، كل هذه المعطيات جعلت من القرية التراثية مصدر دخل ثابتا لمنفذي الأنشطة التراثية والأثرية، وجعلها من أبرز المواقع الأثرية في المملكة، ومكانا ملائما لتنفيذ البرامج والمهرجانات ذات الطابع السياحي والترفيهي. ووفقا لرئيس البلدية المهندس فهد البليهي، فإن قرية المذنب عادت على واجهة المشهد كإحدى أبرز المناطق السياحية في المملكة، وذلك بجهود الهيئة العامة للسياحة والآثار، وبالتنسيق والتعاون مع البلدية، فضلا عن جهود الأهالي الذين أسهموا في جعل القرية مقصدا سياحيا، وجاذبا للاستثمار، ويضيف: توفر القرية فرص عمل موسمية للسعوديين في مجال الألعاب الشعبية، فيما باتت محال بيع الأدوات التراثية في سوق المجلس وسط القرية، أحد مصادر الدخل لعدد من السعوديين المهتمين بالتراث والقطع الأثرية والتاريخية. بدوره، أكد المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة القصيم الدكتور جاسر الحربش، إعادة تأهيل البلدات التراثية في المملكة، كأحد أهم الأهداف التي تهتم بها الهيئة من أجل تحقيق عوائد اقتصادية للمجتمعات المحلية، مبينا أن السياحة تثري تلك المجتمعات بفتح مجالات العمل والاستثمار من خلال بيع المنتجات المحلية التي تشتهر بها منطقة القصيم، ما جعل من قرية المذنب السياحية أحد المعالم التي تسجل حضورها في الكثير من المناسبات، بعد أن وجدت الاهتمام الكبير من الهيئة العامة للسياحة وبلدية محافظة المذنب والأهلي. منازل طينية وفي جولة ل«عكاظ» على قرية المذنب، بدا واضحا أن بعض أحياء المحافظة ما زالت محتفظة بمنازلها الطينية التي تروي تاريخا وحقبا مختلفة من الزمن، تحكي براعة الأجداد في البناء والتشييد باستخدام المواد المحلية المتوفرة حينها مثل الطين والماء اللبن، أو بعض المواد ذات الصلابة العالية التي ساعدت على بقاء هذه المنازل شامخة كإحدى شواهد الماضي القديم رغم تقلبات المناخ عبر العصور. وهنا، يشير المؤرخ عبدالرحمن بن عبدالله الغنايم في كتابه (المذنب بين الماضي والحاضر) إلى أن مساكن المذنب القديمة تميزت باتساع مساحتها النسبية نظير رخص الأراضي في الماضي، وهي في الغالب مكونة من طابق واحد، ويحيط بالمنزل الطيني جدران تعلو زواياها كتل طينية مزخرفة تسمى (الزرانيق) وقد تمتد على طول الجدار الخارجي بحجم أصغر يطلق عليها اسم (الشرف). «القبة» و«الصفاف» أكثر ما شد انتباهي في منازل قرية المذنب الطينية، (القبة) أو الصالة وهي المكان المخصص لاجتماع الأسرة وتطل عليها غرف المنزل الأخرى (الصفاف).. ويتم بناء هذه المنازل بأيد متخصصة اكتسبت خبرات طويلة في هذا المجال، ويطلق على قائد العمل المسؤول عن البناء صفة (الأستاذ) لكونه يقود مجموعة من العمالة الوطنية الذين يطلق عليهم (الحرفية)، ويتمتع هذا القائد بصلاحيات الفصل والتعيين للحرفيين، والملاحظ أن بيوت الطين متقاربة الشكل بصفة عامة في كل القصيم والمنطقة الوسطى، ومع هذا يبقى (قصر باهله) و(بيت الغيلان) أنموذجين متميزين للعمران القديم في المذنب. بيئة محلية الملاحظ أن المواد المستخدمة في تشييد البناء في المذنب، جميعها مستخلصة من البيئة المحلية، ومن أبرزها الطين الذي يخلط مع الماء حتى يصبح مادة لينة تمسك باللبن الجاف المصنوع أصلا من الطين على شكل مكعبات تجفف في الشمس، فيما يقوم اللبن مقام البلك في وقتنا الحاضر في البناء المسلح، في حين يستخدم في أعمدة البيت الطيني الحصا الصلب ومن فروش الحصا الصلب تستخدم أساسات المنزل، وهذه المواد تضفي على المنزل الجو البارد صيفا والدفء في الشتاء، وقد لاحظت من خلال جولتي على القرية أن العديد من الأسر في المذنب تحتفظ ببيوتها الطينية لارتباطها بالماضي الجميل، ولعل السوق الشعبي خير شاهد على هذا القول.