لم تكن تحلم وهي تعبر إلى ذلك المكان المزدحم بأنفاس الصغار، وأقدامهم، وضحكاتهم الملونة بأكثر من أن تتمسك (بمرجوحتها) وتصعد بها إلى السماء.. تلامس غيمة في طريقها مرسومة على صفحة من فضاء أزرق.. أو تكتب بإصبعها الأبيض على جناح طائر أحرفها الهجائية التي تعلمتها في الصف. صغيرة تشبه الفراشات المتفتحة على أوراق الربيع، وفي عينيها حقل أحلام يغسل سنابله المطر. جميلة كقصيدة ل(بابلو نيرودا)، أو كقطعة خزفية ملساء تعكس احمرار الشمس. عهود ابنة الأعوام التسعة لم تكبلها الرغبة والأنانية الفطرية وتحولت لشجرة صفصاف تمتد لتهدي ظلالها. تركت حبال مرجوحتها وأنشودتها وأهدتها لطفلة تصغرها سنا كانت تقف إلى جوارها .. طفلة (سمراء) بملامح منكسرة كمنظر الغروب .. مكسوة بالتهميش لأنها لا تعرف لها وطنا ولا سقفا.. جاءت من مدن الجوع والخوف والموت. تقدمت إليها كموجة بحر دافئة وأمسكت بيدها الباردة وأركبتها المرجوحة وأخذت تهزها وتغني لها والكل يترقب والدهشة تلمع في أعينهم وكأنها كانت تقلب فيهم صفاء القلوب التي تكدرت، وتناست أن الإنسانية تموت كالبراعم الطرية كلما شوهناها بممارسة الألم والقسوة. وحدها كانت عهود في ذلك المساء قنديلا يضيء ما بين السماء والأرض.. وحدها كانت الأنقى. حتى عندما سئلت عن سبب قيامها بهذا الفعل ردت بكل براءة: من أجل أن تكون سعيدة مثلي. ما أجمل العفوية! لا نحتاج في هذه الحياة إلا لأن نكون بسطاء كما خلقنا الله بلا تعقيدات شيطانية .. أن نكون أقرب من إنسانيتنا التي زرعت فينا. عهود استطاعت أن تهدينا درسا مجانيا عن قيمة التواضع التي بها نصبح نجوما تلمع رغم السواد والعتمة. أن ننظر للآخر على أن له الحق في الحياة إلى جوارنا دون التفحص في ملامحه وكأنه مجرم هارب، الآخر الذي يجب أن نراه من الداخل لا من خلال لونه الذي لا ذنب له فيه. عهود من حيث لا تدري كتبت على قلوبنا بأحرفها الخجولة رسالة ناعمة أخشى ألا نستطيع قراءتها بوضوح. [email protected]