منبر المسجد، مكان وقف عليه سيد البشر صلى الله عليه وسلم معلما، ومرشدا، وناصحا، ومربيا، وهذا المنبر يجتمع الناس حوله يوما في الأسبوع، يصغون إلى خطيب الجامع بكل حواسهم ليستفيدوا منه. ولكن ذلك المنبر يقف عليه خطباء يختلفون فيما بينهم في الفهم، والأسلوب، والطرح لما يطرحون من موضوعات للمناقشة، فما هو الواجب عليهم؟، وما هي الأمور التي يجب أن يناقشونها؟، وهل هناك محاذير شرعية تمنع الخطيب من بث التنمية المجتمعية والوطنية؟ «عكاظ» استضافت عددا من المتخصصين والشرعيين والخطباء في ندوتها حول «دور المنبر في التنمية المجتمعية»، على هامش ورشة العمل التي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، والتي عقدت مؤخرا تحت عنوان «المسجد وخطبة الجمعة.. المسؤولية والمشاركة في بناء الإنسان». وأوضح المشاركون في«ندوة عكاظ»، أن خطبة الجمعة هي مسؤولية عظيمة لابد أن تعطى حقها ليستفيد منها المصلون الذين تكبدوا العناء وأصغوا لكي يستفيدوا من الخطبة. توعية المجتمع من جانبه، يرى عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى وإمام وخطيب جامع فقيه في مكةالمكرمة الشيخ الدكتور أحمد المورعي، أن على الخطيب أن يقوم بدوره في توعية المجتمع بالمواضيع التي تهمه، وأن يكون بصيرا بأحوال مجتمعة، ويفهم القضايا التي يحتاجون إليها، وأن يكون على تواصل معهم، يبني ثقة فيما بينهم، ينشر ثقافة التفاؤل والأمل بعيدا عن ثقافة الإحباط، يسهم في التعاون على البر والتقوى، ويساعد في الإبلاغ عن كل ما يخالف الأنظمة والتعليمات في مجتمعة. تأثير على الناس المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين الدكتور سعد على الشهراني قال: «للخطيب دور كبير في التأثير على الناس، فهم يجتمعون وينصتون له، وهم ملزمون بذلك، ولو عمل الخطيب برنامجا فكريا يبني الإنسان من خلاله ويحقق الرؤية الشاملة في بنائه، وتنمية المكان لحقق الكثير في هذا الجانب، فالناس يحبون يوم الجمعة، وهم في حاجة إلى سماع ما يؤثر. وأكد أننا في حاجة إلى أن نرتقي بخطبائنا إلى بناء الإنسان من جميع النواحي فكريا واجتماعيا وسلوكيا، فالتركيز على الجانب الإيماني مطلوب، ولكن مطلوب التوعية في الجانب الفكري، مشيرا إلى المنبر رسالة مؤثرة في سلوك المسلمين، فالتكامل والشمول مطلوب من الخطيب في خطبه. عصر التحالفات وعلى صعيد متصل، قال رئيس قسم القراءات بجامعة أم القرى وإمام وخطيب جامع الهدى في مكةالمكرمة الدكتور أمين إدريس فلاته: «الخطيب يحتاج إلى أن يكون ذا دور متكامل، فنحن في عصر التحالفات، فالجانب الفري لا يكاد يؤدي شيئا، فلا بد أن يكون هناك تعاون وتآزر بين الخطيب وأهل الحي. وأضاف: الخطيب لابد أن يكون ذا أفق واسع يسعى إلى عمل مبادرات في محيطة، كما أنه يجب على الخطيب أن يحسب لكل كلمة تخرج منه، لأنها ستنقل وستؤثر في الناس، فوسائل الاتصالات تنقل والناس ينقلون كل كلمة يقولها، فيمكن أن يساهم بخطب تلامس تنمية الوطن، فنحن نحتاج إلى تنمية ومبادرات، ويحث الناس على العمل وليس مجرد القول، كما يتبنى مشاريع تعزز تواصل الناس، وأن يحرص على أن يكون عنصر فاعل واجتماعي في الحي الذي يعيش فيه، فكيف يربط الخطيب بين المعاني السامية والأفعال اليومية التي يتعامل الناس بها فيما بينهم، مثل أن يضرب مثالا حول التعامل الأمثل في الشراء والبيع وغيرها، وبهذا نستطيع أن نعدل سلوك المجتمع. حياة للقلوب وفي ذات السياق، يوضح مدير مركز الدعوة والإرشاد في مكةالمكرمة وإمام وخطيب جامع السيدة عائشة الشيخ محمد أمين مرزا عالم، أن صلاة الجمعة حياة للقلوب، وهداية للنفوس، فهي رحمة، وسكينة، وصلة، وبر، وعبادة، وإحسان، فلا تكاد عبادة من العبادات إلا ولها صلة بالجمعة، فهي حلقة علمية لبيان الشريعة ومقاصدها، وهي في وقفاتها بعد كدر الأسبوع وهمومه كلمات معدودة تغني عن كثير من المطولات فهي بناء العلاقات الإنسانية، ونشاط وهمه نحو القمة. وأشار مرزا إلى أن مساهمة الخطباء في التنمية أمر ضروري ومهم، مثل المساهمة في حث الناس على نظافة بلدهم، والصدق، والإخوة، وكرم الضيافة، وخاصة هذه الأرض المباركة التي يفد إليها ملايين من المسلمين سنويا، يؤدون الحج والعمرة وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم. المسجد مدرسة أما مدير مركز الدعوة والإرشاد في محافظة جدة الشيخ صلاح الشيخ، فقال: ديننا الإسلامي يحثنا على التطوير، فبناء الإنسان ليصبح قويا أمينا أمر مهم، ويحث الشارع عليه، لذلك نجد أن الخطيب يجب عليه أن لا يقصر خطبته على المواعظ والترهيب والترغيب فقط، بل يجب أن يتناول أمورا اجتماعية تهم المجتمع، وخاصة في تنمية المكان الذي يعيش عليه، وحثه على الاهتمام به، كما أن بناء الإنسان فكريا وسلوكيا وخلقيا من الأمور المهمة في الدين، لذلك يجب أن يكون للخطيب دور في ذلك، كذلك نجد أن الخطباء الأوائل كانوا يتحدثون في خطبهم في كل ما يقوى الإيمان في المسلم ويربيه على الفضائل ويبعده عن الرذائل، لذلك كان المسجد مدرسة يتعلم منها الإنسان كل أموره الحياتية المختلفة، وفيه يتربى ويتخرج منه العلماء والخطباء والوعاظ وغيرهم. دور كبير أما الشيخ محمد شرف الحلواني القاضي السابق وخطيب الجامع الكبير في الطائف فقال:«هناك دور كبير لخطيب الجمعة، فهو يستطيع أن يؤثر في عقول الناس وأفكارهم، سواء أكان سلبا أم إيجابا، فإذ ساهم في بناء عقول الناس بناء سليما سيؤثر ذلك فيهم، فلا بد أن يتناول أمراض المجتمع التي يعاني منها، سواء الكذب، أو الغش، أو أكل أموال الناس وحقوقهم، كما أن للخطيب مساهمة كبيرة في بناء سلوك الإنسان، وبناء عقلة، وبناء مكانة في حثه على احترام المكان وإعطائه حقه، والاهتمام بالنظافة، وحث الناس على المساهمة في تنمية البلد بشتى الطرق، لذلك نجد أن الخطيب دوره دور كبير، ولابد أن يعي دوره ليؤدي ما هو مطلوب منه. الحمل كبير وقال إمام وخطيب جامع التوحيد في مكةالمكرمة الشيخ عبدالاله الصبحي: «خطيب المسجد هو الذي يكسب ثقة الناس غالبا، وهو الذي يستمع إليه ويلقى كل الترحيب والاحترام، لذلك نجد أن عليه دورا كبيرا في تنمية الحي الذي يعيش فيه، حيث يكون هو المبادر دائما في كل ما يعود على سكان حيه بالفائدة، وخاصة أمورهم المجتمعية، مثل عقد ندوات لهم، والمساهمة في عمل ورش تدريبية لهم، وحثهم على الالتحاق بدورات تدريبية تفيدهم، هذا بخلاف الأمور العقدية التي يجب أن يكون التركيز عليها أولا، كما أن عليه دور كبير في إيجاد الترابط بين المصلين، وعمل جدول زيارات فيما بينهم، لتقوية الروابط الاجتماعية التي أصبحت الآن شبه مفقودة، لذلك الحمل كبير على خطيب المسجد، فهو يلاحظ أي سلوك خاطئ فيقوم بمعالجته من خلال خطبة يلقيها على المصلين، ونحن الآن في وقت كثرت فيه الحاجة إلى خطيب المسجد، وخاصة بعد أن كثرت المشكلات التربوية في المجتمع، فهو صمام الأمان للمساهمة في علاج هذه القضايا.