في باب مكة، وأمام «البرحة» التي اشتهرت بالعطارين، يتخذ مسن مكانه وسط كومة من الخيزران والعصي، يلفه السكون متأملا في حال الناس بنظرات تتبع تصرفاتهم. لفت انتباهي وهو في حالته تلك، اقتربت منه للحديث، ومنذ أول وهلة أحسست بأنه يختزن في صدره الكثير من المواقف والتجارب، وفي جعبته الكثير من قصص السوق اليومية. في سياق الحديث، اتضح لي أن اسمه عبدالمعطي البلادي، يعمل مؤذنا لجامع الملك عبدالعزيز في منطقة البلد، وصاحب محل لبيع الخيزران والعصي في باب مكة، ورغم وجود من يساعده في محله الصغير إلا أنه وجد من السوق والتقرب من الناس ومسجده ما يشغله كل يوم وطوال ساعات النهار وردحا من الليل. يقول عبدالمعطي «امتلكت هذا المحل منذ 15 عاما أبيع فيه العصي والخيزران، وأنا مواظب على الحضور إليه يوميا، وأعد نفسي أحد أبناء هذا السوق». ويستطرد بأسى «لم يعد حال السوق كما كان سابقا ولكن الحمد لله على كل شيء، فالسوق متغير الحال كحال أي شيء في هذه الدنيا، وأنا عاصرت أيام عزه، ورغم ذلك إلا أن البركة ما تزال فيه، وما زال بعض الزبائن القدماء يقصدونني». وفي ما يخص الخيزران والعصي، قال إن هناك أنواعا كثيرة منها ما هو مخصص للرعي ومنها ما هو مخصص للأشقياء الصغار، ومنها ما هو لكبار السن تساعدهم على المشي، والنوع الأخير مطلوب كثيرا خاصة المطرزة للمناسبات والحفلات وتستخدم في الرقصات الشعبية لدى بعض القبائل. وسجل البلادي بعض الملاحظات على شباب اليوم «أقل مسؤولية وأحيانا منهم من يرتكب بعض الحماقات في السوق»، مستغربا عدم وجود الشباب من أبناء البلد في السوق، إذ إنه «مكتظ بالأخوة الوافدين»، وتساءل «لماذا لا يعمل الشبان في السوق حتى لو كانوا أصحاب وظائف» ولن يكونوا أقل مني نشاطا ومع ذلك أعمل في السوق رغم كبر سني، وأضاف «أراهم نشطون في رمضان فقط مع أن السنة كلها بركة، والسوق ليس رمضان فقط وعليهم البدء والرزق من الرزاق».