بناء الإنسان وتنمية المكان وتوازن وتوازي خطط التنمية لم تكن وليدة عمل إداري وأفكار ورؤى تبناها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة في إمارة المنطقة فحسب، بل أفكار تبناها سموه منذ توليه مهام عمله أميرا لمنطقة عسير منذ أعوام مضت، تجربة الفيصل خلال تلك الأعوام تمثل جزءا من تاريخ المملكة الذي بدأ من مرحلة التأسيس. تلك التجربة والأهداف والرؤى وضعها الفيصل أمام الحضور في ورشة عمل متابعة المشاريع في المنطقة، بحضور أمناء مجالس المناطق بالمملكة، استعرض خلالها سموه تجربته في أداء مهامه الحكومية أميرا لمنطقة عسير سابقا ومنطقة مكةالمكرمة حاليا. تلك التجربة أكدت أن فكر سموه في توظيف أبناء المناطق العشوائية في الشركات المنفذة لأعمال التطوير أولى من غيرهم في الحصول على وظائف مشرفة في المشاريع، كامتداد لطلب سموه قبل 30 عاما أو أكثر لإدارة الطرق بمنطقة عسير، عند شق طريق عقبة مركز الفرشة، بتوظيف أبناء المنطقة في المشروع وهو ما تم بالفعل في حينه. وقال سموه: «من أهم المشكلات الحقيقية التي تواجه الإمارة ليس في منطقة مكةالمكرمة فحسب، ولكني واجهتها وجربتها في منطقتي عسيرومكةالمكرمة تتمثل في العرف والتقليد في الإدارة والأسلوب الذي تعود عليه الناس». واستطرد قائلا «إن الإمارة عندما تأسست المملكة كانت مقسمة إلى أقاليم، كان يعين عليها الملك عبدالعزيز رجالا من أكفاء رجاله لإدارتها، وكانت صلاحياتهم من صلاحيات الملك، وكان مرجعهم الملك، لم تكن هناك وزارات في ذلك الوقت، فكانت صلاحياتهم كاملة وشاملة، كانوا يعملون باسم الملك وينجزون باسمه ويكرمون ويعاقبون باسمه، تكون مجلس الوزراء في آخر عهد الملك عبدالعزيز، وتشكل تشكيلا نهائيا في بداية عهد الملك سعود، وكان لابد للوزارات من صلاحيات، من أين أتت هذه الصلاحيات؟ أخذت من صلاحيات أمراء الأقاليم وأعطيت للوزارات التي بدأت تكبر، وكل ما كبرت أخذت صلاحيات إضافية من الأقاليم ومن الإمارات، حتى أتى في يوم من الأيام وأصبحت الإمارة تقريبا متحفا، كان السياح يذهبون لزيارة هذه الإمارات كمتاحف، لكن هذا الوضع بدأ يتغير عندما أعيد النظر في نظام المقاطعات الذي صدر في عهد الملك فيصل، لكنه لم ينفذ، وبعد ذلك شكلت لجنة ولجان عديدة لوضع نظام منبثق عن نظام المقاطعات الذي صدر ولم ينفذ، ونتيجة لذلك صدر نظام المراكز مع نظام مجلس الوزراء ونظام الشورى والنظام الأساسي للحكم، وهي في الحقيقة أربعة أنظمة رئيسية صدرت في نفس الوقت، ونظام المناطق هو أحد الأنظمة الرئيسية وفي هذا النظام بدأت الإمارة تستعيد بعض الصلاحيات ومن ضمنها الإشراف على المشاريع ومتابعتها، الإشراف على كل الإدارات الحكومية بالمنطقة ومتابعتها، وأصبح هناك دور جديد للإدارة المحلية في المناطق بقيادة الإمارة». متابعة المشاريع وأضاف أريد أن أؤكد أن للإمارة دورا رئيسيا في التنمية، وتتمثل مسؤولياتها الأساسية في المتابعة المباشرة للمشاريع، وقد تحدثت عن هذا الدور في محاضرة سابقة في مدينة الرياض في عهد الملك خالد رحمه الله قبل صدور نظام المناطق. خطة تنموية عشرية وحول تجربته في التنمية ومتابعة المشاريع في منطقة عسير والتي كانت امتدادا لما يعمل عليه حاليا في إمارة منطقة مكةالمكرمة، أوضح للمشاركين أنه تم تطبيق هذا النظام في عسير من خلال إعلان خطة تنموية عشرية تحت عنوان «عشرين عشرين»، إضافة إلى تطبيق نظرية التنمية المتوازنة المتوازية. وأضاف، «يشهد بذلك ويذكرني به دائما وكيل الإمارة في عسير في ذلك الوقت الدكتور عبدالعزيز الخضيري، وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة حاليا وتفاجئه بالتنمية في كل المحافظات، لم نسع في عسير إلى بناء مدينة رئيسية مثل أبها كانت التنمية في أبها وفي خميس مشيط وفي ظهران الجنوب وفي النماص ومحايل وكل المحافظات كانت فيها تنمية وكانت متوازنة، لذلك لم تكن هناك هجرة في عسير من المحافظات إلى المدن الرئيسية، فبقي الناس في محافظاتهم، عندما ذهبت إلى عسير لم يكن هناك هاتف أو شارع مسفلت لم أكن استطيع أن أهاتف الرياض، يمكن هذه أشياء ما تصدقونها لكن كانت فعلا في عسير». وزاد «أول إدارة لتنسيق الخدمات والمشاريع في المملكة كانت في إمارة عسير، بعد ذلك أنشأنا لجنة متابعة المشاريع والتنسيق من رؤساء الإدارات الحكومية قبل نظام المناطق وكانت تجتمع في الإمارة كل شهر لمتابعة المشاريع السياحة، أول اعتراف رسمي بالسياحة في المملكة تمثل في إدارة التنشيط السياحي في عسير». واستشهد الفيصل بتجربة خاصة خاضها في بدايات توليه مهام عمله أميرا لمنطقة عسير قبل أكثر من 30 عاما مضت أثناء زيارة ميدانية لمركز «الفرشة» التابع لمحافظة سراة عبيدة 170 كيلو مترا جنوب غرب مدينة أبها للاطلاع على أوضاع المواطنين في جبال سحيقة كان وصوله لها عن طريق طائرة عمودية لوعورة تضاريسها، راويا تفاصيل إنشاء عقبة «الجوة» التي اعتمدت عقب هذه الجولة والتي يتخللها 22 نفقا، وتربط بين مركزي الفرشة والجوة وصولا إلى منطقة جازان في امتداد لتنمية المكان ليس في منطقة عسير فحسب قال فيها «هناك تجربة أحب أن أقولها في بعض جمل ولكنها قد تعطيكم صورة عن ماذا أقصد بالتنمية؟ في يوم من الأيام قدم إلي شخص وحدثني عن منطقة في عسير وأبلغته أنني أرغب في الذهاب لرؤيتها، غير أنني لم استطع الوصول لها إلا عن طريق الاستعانة بطائرة عمودية، نزلت المكان كان فيه من 200 إلى 250 مواطنا، وكان الموقع عبارة عن واد لا يوجد فيه سوى غرفة، التقيت السكان وجلست معهم والتقيت أمير المركز وهو المسمى الوظيفي لمن يتولى شؤون العمل في ذلك الحين، وقلت له أين مقرك؟ قال هذه الغرفة هي الإمارة، وجدت أن أمير المركز هو الوحيد الموظف فيما يعرف الآن بالمركز، دخلت الغرفة فوجدت صندوق «برتقال» مغلف بسجادة وهو الشيء الذي يتكئ عليه الأمير وهو المكتب الذي يكتب عليه، وسألته هل تنام هنا؟ فأخبرني أنه ينام في الخارج وفي كل ليلة ينام في مكان مختلف ولا ينام في مكان واحد وذلك بالطبع ناجم عن الخوف، وعرفت فيما بعد أن بعض من يقدمون إليه الشكوى من أمر ماء لا يقدمون إليه إلا في الليل وهم مسلحون». واستطرد قائلا «سألت المواطنين في هذا الوادي أين يسكنون، فأجابوا في هذه الجبال قلت أين؟ فلا أرى مساكن واضحة، قالوا تحت الأشجار وفي الغدران، خرجت وكتبت عنها تقريرا وأرسلته للملك فيصل يرحمه الله في ذلك الحين، فأمر بتنفيذ كل ما طلبت، بما في ذلك فتح الطريق، لأن أمير المركز كان ينزل من سراة عبيدة لمنطقة الفرشة بحمار أو بغل ويطلع عليه، أول ما قمنا به هو فتح الطريق، وكانت أول عقبة فتحت بعد عقبة ضلع التي أمر بفتحها الملك فيصل في ذلك الوقت هي عقبة الفرشة، وكلفت في ذلك الوقت 500 مليون ريال توازي قيمتها في وقتنا الحاضر 5 آلاف مليون ريال، أنشئت على واد ليس فيه بيوت حتى سألني شخص عن الجدوى الاقتصادية للمشروع فأجبته «إن الجدوى الاقتصادية هي خدمة مواطن هذه المنطقة، نحن لا نفكر في الجدوى الاقتصادية عندما نخدم أبناء وطننا»، فعلا تحدثت مع إدارة الطرق في حينه وسألتهم عن إمكانية توظيف أبناء القبائل في هذا المشروع؟ قالوا نعم وفعلا وظفوهم وبعد فترة من الزمن أتوني وقالوا لي أصبحنا نأخذهم ونوظفهم في أماكن أخرى لأنهم أصبحوا من أفضل العمال في هذا المجال، وأصبحوا يعملون وتصرف لهم مرتبات، المهم والشاهد في القصة أنه قبل أن أقدم إلى منطقة مكةالمكرمة ذهبت في زيارة لمركز الفرشة، لن أتكلم عن العمران والشوارع والكهرباء والهاتف والخدمات المتكاملة، لكن سأقول لكم عن شيء واحد يعطيكم صورة واضحة عن ما هي التنمية التي نسعى إليها.. وجدت أن طالبات مدرسة البنات خريجات معهد المعلمات بمركز الفرشة، كما وجدت فندقا دخلته وسألت القائمين عليه هل هناك من يسكن الفندق فعلا حتى يتم إنشاؤه؟ أبلغوني أنه في صباح هذا اليوم غادر الفندق مجموعة من السياح الألمان كانوا في جولة سياحية في المنطقة، انظروا للتنمية ماذا نعني بها، هذا الوادي الذي لم يكن به منزل واحد وكل سكانه كانوا يسكنون الكهوف وتحت الأشجار أعود له بعد 30 سنة وأجد أن المعلمة هي خريجة معهد المعلمات في مركز الفرشة هذه هي التنمية وما نقصده منها».