النوادي الأدبية في بلادنا – في معظم المناطق إن لم يكن كلها – عمل بناء من خلاله تتنامى حركة الإبداع وتكتشف مخبآت المواهب – خاصة الشابة منها – التي تتهيب اقتحام التجربة وتتردد أمام هيبة المغامرة الأولى في اقتحام المواجهة القلمية أو المنبرية والانكشاف أمام القراء أو «السمّيعة» إن جازت هذه المفردة التي أقحمها عمداً في هذا السياق . ولا شك أن هذه النوادي التي قام ويقوم على إدارتها – سابقاً – في«مرحلة الاختيار» أو لاحقاً في«مرحلة الانتخابات» أشخاص لهم في مجال التجربة خبرة عميقة تتكئ على وعيهم وعلى رؤيتهم النابغة من ثقافاتهم ودراساتهم وآفاقهم المعرفية – بكل أبعادها واتجاهاتها ومساراتها الفكرية المتنوعة من حيث الاتفاق أو الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية – مع تحفظي إلى حد ما حول ما توحي به هذه العبارة – أقول في ظل هذه المعطيات جميعها كان للنوادي الأدبية دورها الفاعل في تحريك مساحات – غير قليلة – من المياه الراكدة .. إلا أن هذا الحراك في معظمه – إن لم يكن كله – يكاد يقتصر على مسار واحد لا يخرج عن إطار مسماها «النوادي الأدبية» وما يتفرع عن هذا المسمى من أشكال أدبية«شعر ..قصة..رواية» وأحيانا شيء من النقد الذي يخرج في بعض مساراته عن قضبان العمل الأدبي ويجنح إلى منعطفات التجريح والشخصنة . ولأن هذه المسارات أصبحت مألوفة ويغلب عليها طابع التكرار – إلا فيما ندر – فإنها لم تعد تحظى بما يراد لها من جماهيرية في أوساط جمهور تكاثرت«الظباء» على اهتماماته في زحام ما تقذفه به معطيات الحياة ومستجداتها وهمومها ومشاكلها بالإضافة إلى اتساع دائرة معارفه واطلاعه على ما لدى الآخرين – من أمم الأرض – من تنوع حياتي ومعرفي فيه «الزين»وفيه«الشين»وفيه النافع وفيه الضار وفيه ماهو متفق وما هو مختلف عليه . قد يقول قائل : وما دخل الأدب في مثل هذه الموضوعات ؟ .. وللمستنكر أقول : إن الأدب بحد ذاته رسالة وأن هذه الرسالة مطالبة بأن تستمد عناصرها من واقع حوافر أحصنة الحياة الراكضة في ميادينها الفسيحة بمعنى أن يعيش الأدب هموم الإنسان المعاصر في ضوء المتغيرات العالمية منها والمحلية..البؤس والشقاء والحرمان والظلم وانسحاق الكثير من الطبقات وغير ذلك مما يجب أن يقولبه الأدب في إبداعات غير مألوفة تدير إلى معطياتها الأعناق التي سئمت تصلب ثبات النظرة الواحدة إلى الاتجاه الواحد رغم الفضاءات الواسعة التي يمكن للأفكار الخلاقة أن تحلق في أجوائها وتمنح أجنحتها«رفرفات»خارجة عن السائد والمألوف أو بمعنى آخر أن تكسر الأُطُر المتصلبة التي لا تسمح بضخ دماء جديدة في مسارب الحياة وتدفقاً يفتح قنوات واسعة ومتعددة للاتجاهات المستحدثة في مفردات لغة العصر. الأدب في ظني.. بل في اعتقادي – إذا تجددت خلايا الأفكار المنتجة له – يستطيع عن طريق ملامسته لوقائع حياة الناس وتسربه إلى همومهم الحياتية واليومية - بدرامياتها وكوميدياتها – أن يفعل ما لا تفعله الفعاليات المحنطة التي أكل الدهر عليها وشرب .. وفي ضوء هذه الرؤية المستقبلية التي تمقت الجمود والتوقف يمكن للقائمين على هذه النوادي أن يضمنوا للأدب مستقبلا يستقطب العزوف الذي عانت وما تزال تعاني منه على مدى مسيرتها الطويلة التي لا تخلو من الإيجابيات التي أثمرت معطيات تحسب لها .. إلا أن هذه المعطيات بحاجة إلى أن تمد أذرعتها الفاعلة إلى مستوى أفضل مما هي عليه الآن من خلال خبرات تجارب السابقين وتطلعات أعضاء إداراتها مع مستجدات العصر وركضه المتسارع الذي لا يعترف بالجمود أو تباطؤ الحركة وهذا ما يجب أن يكون في الحسبان .