يتذكر أبناء ومحبو الأديب الشاعر محمود عارف مناقبه، وما قدمه للإعلام والأدب والثقافة ويضيئون محطات في حياة الفقيد الراحل كأحد الرموز الوطنية التي لا تنسى، ويجمعون على أنه أسهم في الحراك الثقافي والأدبي والإعلامي، وقدم لوطنه إسهامات عدة، فكان عضوا في مجلس الشورى ورئيسا لتحرير صحيفة «عكاظ» عام 1384 ه بأمر من الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله فضلا عن إسهاماته الرياضية البارزة، حيث شارك في تأسيس لعبة كرة القدم بالنادي الأهلي في جدة مع عمر وحسن شمس، وتركهما لاحقا ليتفرغ لفريقه وعشقه الاتحاد، وظل الفقيد محمود عارف يقدم عطاءات لوطنه حتى وافاه الأجل تاركا وراءه أسرة تعاني اليوم ظروفا صعبة. ولد محمود عارف في جدة عام 1327 ه وتعلم في مدرسة الفلاح وتخرج فيها عام 1342 ه وعمل معلما بها ثم انتقل الى الوظائف الحكومية، حيث عمل موظفا في إدارة الأوقاف الأهلية، وعمل محاسبا في إدارة الكنداسة ثم نائبا للمدير العام، كما عمل عضوا في هيئة القضايا ببلدية جدة، ووكيلا لإدارة قسم حفائظ النفوس، وعضوا بمجلس الشورى، إلى أن تقاعد بعد أن مُدد له خمس سنوات. ومن أبرز محطات عمل الفقيد عمله رئيسا لتحرير صحيفة عكاظ عام 1384 ه بأمر من الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله ومشاركته في تأسيس لعبة كرة القدم بالنادي الأهلي بجدة مع عمر وحسن شمس، كما شارك في العمل الصحفي كاتبا وشاعراً وله مشاركات أدبية وعدد من المؤلفات الشعرية والنثرية فضلا عن مشاركته بالعمل الإذاعي وجملة من الأناشيد الوطنية. نشأته الوطنية يعد الراحل محمود عارف شاعرا مكثرا، جمع قصائده في ثلاثة عشر ديوانا، كما أنه كاتب مقال، أنتج قرابة الأربعمائه مقال، أودع بعضا منها في كتب إضافة لإسهاماته الأدبية والاجتماعية وتأسيس نادي جدة الأدبي، وكتاباته الصحفية التي لا تخلو من الهم الإصلاحي والشعور الوطني الصادق. تتلمذ عارف على يد جيل من الرواد منهم محمد حسن عواد، حسين مطر، محمد مرزوقي، حسن عبدالجليل، عبدالوهاب نشار، ويوسف عوضي، إلا أنه كان للعواد الأثر الأكبر في حياته كما كان يحكي دوما، وأن أول كتاب هدية كانت منه. أما زملاؤه في المدرسة فقد كان منهم أحمد قنديل، محمد باجبير، سالم أشرم، عباس حلواني، وعمر عبد ربه، حسن المنصوري ومحمد علي باحيدر وغيرهم. الزمن ودلالاته في مقالاته برزت لديه ظاهرة الاحتفاء ب(الزمن) بشكل يثير الانتباه، إذ تعد هذه الظاهرة من الظواهر الأسلوبية الملحوظة في نتاجه الأدبي، وتكشف عن إحساسه به وبأهميته، وتأثير ذلك في تحديد المسار الموضوعي وطريقة المعالجة في مقالاته. ورؤية محمود عارف للزمن، جزء من فلسفته في الحياة ونظرته المتفائلة، ومن النماذج التي تجسد رؤية الكاتب للزمن، مقالة «الشباب قوة ..وعزيمة وثبات»، إذ يرى أن ثمة ارتباطاً بين مقومات الشباب والزمن، في قوله: «تتلاقى مقومات الشباب مع الزمن، فالماضي صورة حية لما ذهب، والحاضر مرآة للواقع بما فيه من آلام وأحلام، والمستقبل عالم مجهول يحمل الضباب الذي يجمع بين الحقيقة والخيال». ويقرر في موضع آخر، فيقول: «كثيرون هؤلاء الذين يشكون من الزمن.. والواقع أن الزمن هو الذي يشكو منهم.. لأنهم في كل الحالات يائسون .. وفي معظم المناسبات متشائمون»، إذ ذهب إلى أن الزمن جزء من مشكلة الإنسان، وهي إحدى القضايا التي تبناها في أدبه. ومن خلال قراءة تأويلية لموضوعات عارف زمنياً، يتضح سيطرة الزمن الحاضر على مقالاته الأمر الذي يجعل من تجربته في هذا المضمار تجربة واقعية مثقلة بهمومها، لا تكاد تخرج عنها إلا قليلاً. ومقالة الكاتب في ذهابها هذا المذهب؛ إنما تخضع لمطالب عصرها وتستوجب لمقتضيات الحياة الاجتماعية والثقافية، مسخراً أسلوبه للتعبير عن معطيات الحياة الحديثة وملابساتها إذ كانت أفكاره وموضوعاته تتناسب والمجتمع الذي يعيش فيه، والمرحلة التي ينتمي إليها، فقدّمت مقالاته رؤية مركزة لأحداث عصره، متزامنة مع متطلبات مرحلته، مؤكدة انتماء العارف لعصره وبيئته. كما في مقالاته الاجتماعية المبكّرة ومقالاته السياسية. ويقل احتفاء محمود عارف ب(الماضي)، خاصة فيما يتعلق بمجتمعه وبيئته وأحداثهما، إلا أنه كتب عن ماضيه الشخصي، إذ لم يجد مناصاً من المجاهرة به على مضض، مع ما يحمله من غموض ومحاولات للهروب منه، حيث تكشف السيرة الذاتية لعارف على قلتها هذا الجانب، خاصة أن هذا النوع من المقالات يقوم على استرجاع الذكريات، واستحضار الماضي في ذهن الكاتب. ويأتي استخدام محمود عارف (للزمن المستقبل)، تعبيراً عن الأمل والتفاؤل اللذين يحملهما في نفسه، فقد كانت آماله تمثل في الوقت نفسه أحلاماً؛ إذ يقفز الحلم إلى الأمل وإلى الأفق غير المنظور سعياً للتغيير وأملاً في التبديل، فهو يبلور تشوف النفس، ويعكس خيال الخاطر. وعادة ما يأتي هذا الاستخدام في خواتيم مقالاته، فهي الخاتمة الأنسب في نظره. والناظر في لغة عارف في هذا الجانب يجد ضوء النهار وعتمة الليل، ولهب الظهيرة وحَمارة القيظ، كما يجد اليوم والتاريخ الهجري والسنة، وفيها الماضي وقد اختلط بالحاضر، في حين يجد إشراقات المستقبل. بل إن القارئ يلمح هذه اللغة في بعض عناوين كتبه، أمثال: (ليل ونهار)، (حصاد الأيام) و(أوراق منسية) .وفي ضوء مفردات الزمن وألفاظه عند عارف، يمكن ملاحظة مكانة الزمن /الوقت، وأنه مكرّم لديه، كما في لغة الزمن عند العرب. وأول ملمح للزمن يطالعنا في المقالة (العنوان) وهو: «من الصفا إلى عكاظ» إذ يحاول المقارنة من خلاله بين صحافة الماضي (الصفا)، وصحافة الحاضر (عكاظ) . كما اتضح بروز الزمن الحاضر، ثم الماضي ؛ على الرغم من أن الزمن الماضي هو ما يمثل السياق العام للمقالة؛ فقد تكون المقارنة التي عقدها في تضاعيف مقالته، ما دعته إلى المزج بين الزمنين. في حين تسجل المقالة غياب (الزمن المستقبل)، إذ يشكّل هذا الأمر حالة استثنائية، فالعارف صاحب نظرة مستقبلية لا تغيب عن مقالاته . ولعله يُؤخذ بالحسبان، زمن كتابة المقالة، التي تسبق تاريخ وفاته بثلاث سنوات، حيث لا يمكن له رؤية أي زمن/ وقت سوى ماضيه الذي يسترجع من خلاله الأمجاد الذاتية الماضية، وحاضره الذي يعكس ذلك الماضي، أما المستقبل فلم يعد واضحا له وهو في تلك المرحلة. ويتضح أن (الزمن) عند محمود عارف؛ هاجس شغل تفكيره وذهنه، فانطبع في مقالاته، فبالزمن تدور عجلة الحياة، ويتطور الإنسان ويزداد حضارة ورقيا. ونظرا لأن (الزمن) قضية في حد ذاتها، فقد أدرك الكاتب جيدا خطورة هذه القضية وأهميتها خاصة عند إهمالها فكانت مدعاة لاحتفاء عارف بها كثيرا في مقالاته. وقد ظهرت مؤلفات ومراجع تحدثت عن الاديب الراحل منها كتاب (المقالة في أدب محمود عارف): دراسة موضوعية وفنية، منيرة المبدل، لنيل درجة الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . وكتاب (مفهوم الزمن ودلالته في الرواية العربية المعاصرة) لعبدالصمد زايد وكتاب (مشكلة الإنسان في شعر محمودعارف) للدكتور عبدالعزيز شرف، مجلة الحياة الثقافية، وكتاب (جمالية المكان في أدب الرحلات ..) للدكتور مصطفى عليان، وكتاب (لغة الزمن ومدلولاتها في التراث العربي) من تأليف الدكتور أحمد شحاذ وغيرهم. يقول الكاتب حمد الزيد في ذكرياته مع الأديب الراحل محمود عارف: كان من الشعراء السعوديين الكبار سناً واسماً.. وهو ابن مدينة جدة التي لم يبرحها على ما أظن حتى مماته، وقد سمعت باسمه كثيراً قبل أن أراه؛ فقد كان ينشر في الصحف السعودية ولا سيما صحف جدة باستمرار، وأذكر أنه في الثمانينيات الهجرية نشر قصيدة رثاء في الأستاذ محمد حسن الزيات صاحب الرسالة وذلك في مجلة (الرائد) التي كان يصدرها أبومدين في جدة، والطريف في الأمر أن الزيات قرأ رثاءه وضحك وطرب وشكر الشاعر في عدد لاحق لأن موته كان إشاعة. ويضيف الزيد: الشاعر محمود عارف مكثر في كتابة الشعر وقد أصدر له النادي الأدبي بجدة مجموعة شعرية ضخمة في مجلدين عام 1404ه ولديه على ما أظن شعر لم ينشر. ولكن مع أنه شاعر أصيل ومطبوع فإن النظم يغلب على الكثير من شعره، كشأن معظم شعراء جيله من الرعيل الأول والثاني في العصر الحديث، كما كتب بعض النثر، وإن كانت السمة الغالية على شخصيته هي شخصية الشاعر. كان بين السبعين والثمانين من عمره عندما تعرفت عليه ثم عرفته عن قرب بدءاً من عام 1402ه وما بعدها وقد جمعتني به صحبة استمرت قرابة ست سنوات كنا نجتمع خلالها في بيت الشاعر يحيى توفيق أو في بيت السيد عبدالعزيز ابو خيال (يرحمه الله) وأحياناً نذهب إليه في البيت أو يأتون عندي أو عند الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين أو السيد يوسف زينل. أصدر الراحل عددا من الدواوين الشعرية، والدواوين النثرية وهي أكثر من خمسة عشر كتابا ومنها المزامير – الشاطئ والسراة – في عيون الليل – على مشارف الزمن – الروافد – ارج ووهج – أيام من العمر – مدينتي جدة – مشاعر على الضفاف – الفردوس الحالم – العبور – عاصفة الصحراء – أصداء القلم وشارك في العمل الصحفي كاتبا وشاعرا وله مشاركات أدبية في عدد من الصحف المحلية والمجلات في القديم والحديث كما شارك في العمل الأدبي وله مشاركات اجتماعية وسياسية وابتهالات في شهر رمضان الكريم بصوت (علي داوود) وهو عضو بالمجلس البلدي وله كتابة الأناشيد الوطنية منها نشيد الشباب الذي قام بتلحينه و أدائه الملحن سراج عمر. حياته الخاصة عن حياته الخاصة يروي ابنه حسين: تزوج الأديب الراحل في سن متأخرة وربما ذلك لفقده والديه وهو صغير، ولوجود خالته التي اشرفت على تربيته فلم يستطع التخلي عنها. وقد أنجب الأديب ثلاثة من الذكور وثلاثا من الإناث، وقد حرص على تعليمهم الجامعي فلديه طبيبة استشارية متخرجة من جامعة عين شمس ولديه مهندس متخرج من أمريكا والأربعة الباقون تخصصات مختلفة من إدارة أعمال وآداب، ويظل الحدث الوحيد الذي هز أركان الوالد هو وفاة زوجته (والدتي)، وقد عاش الوالد طوال حياته بسيطا جدا لم يكن يجري وراء المال فهو لديه قناعة كبيرة بما قسم الله له من رزق، وكان الوالد متواضعا جدا فهو يجلس مع الصغير والكبير، والفقير، والغني ولا تهمه المظاهر البراقة، كانت تربيته لأبنائه فيها نوع من الشدة خصوصا مع الأولاد فهو حريص على معرفة الأماكن التي يذهبون إليها والتعرف على أصدقائهم وكان يحرص على الذهاب مع أبنائه إلى ملاعب كرة القدم لمشاهدة المباريات في ملعب الصبان بجدة آنذاك، وأيضاً يصطحب أبناءه لجلب مستلزمات المنزل كحلقة السمك (البنقلة) وحلقة الخضار والحقيقة أننا تعلمنا منه الكثير، جزاه الله خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته. واتصف الوالد بالنظام خصوصاً في مسألة الطعام فهو يأكل في مواعيد ويحب مرافقة الأسرة في وقت الطعام مهما كان السبب، فهو لا يكثر من تناول الطعام ولا يحب التبذير فيه، أحب الوالد القراءة حباً كبيراً وله مواعيد لقراءة الصحف والمجلات، و مواعيد لقراءة الأدب وغيره، ومواعيد لمشاهدة التلفاز، ومواعيد للرد على المكالمات الهاتفية والزيارات، وبالرغم أنه عاش يتيما حيث توفي والداه وقامت على تربيته خالته وكذلك اخوه الوحيد حسن عارف الذي يكبره سناً، إلا أنه استطاع أن يشق طريقه إلى النجاح بكل اقتدار وبالرغم من الجدية في التعامل مع ابنائه إلا انه يمتاز بصفات جميلة فهو صادق في كلامه مع الآخرين ومع أسرته ومن صفاته أيضا القناعة فهو يرضى بما قسم الله له من الرزق وعاش حياة بسيطة جدا ولم يكن يبحث عن المال وجمعه، ومن صفاته أيضا الوفاء وحب الخير للناس وتقديم الخدمات وحل المشاكل الأسرية والتوسط لدى الجهات لتوظيف الشباب ومساعدة الأرامل والضعفاء، وكان وفيا لأصدقائه ويتودد إليهم بالزيارات والسؤال عنهم وقد ظهر في شعره قصائد الرثاء لأصدقائه بعد رحيلهم، وكان أصدقاؤه يبادلونه نفس الشعور.