ناشد الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة أسرة الأديب الراحل أحمد قنديل بتكوين مكتبة خاصة له تحمل مأثوراته وإبداعاته وتشرف عليها الأسرة، أو تهدى لجامعة الملك عبدالعزيز كأمثالها من مكتبات الروّاد كمكتبة نصيف والسنوسي والفيصل، داعيًا الجميع إلى إعادة قراءة منجز قنديل الشعري، برويّة، واستجلاء القيم الجمالية الكامنة فيه.جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها أمس الثلاثاء في أمسية الوفاء التي نظّمها أدبي جدة تكريمًا للأديب الراحل أحمد قنديل، واستضاف فيها الدكتور عبدالله بانقيب والأديبة فاطمة عبدالجبار، فيما قدمها الدكتور يوسف العارف عضو مجلس إدارة أدبي جدة. السابح في 12 بحرًا الكاتبة فاطمة عبدالجبار ابتدرت الحديث مشيرة إلى أن الشاعر أحمد قنديل كان شغوفًا منذ نعومة أظفاره بقراءة القصص والسير الشعبية محبًا لآداب اللغة العربية، متابعًا للحركات الأدبية في مصر والمهجر، بجانب أنه كان ذكيًا وخفيف الروح صاحب نكتة ورثها عن أبيه (صالح)، مبينة أنه كان شاعرًا موهوبًا وناثرًا غزير الإنتاج أمتع القراء بآثاره النثرية والشعرية المطبوعة فضلًا عما خلفه من المخطوطات، مؤكدة أن القنديل لم يدع بابًا من أبواب الشعر إلا طرقه، ولا دربًا من دروبه إلا سلكه، طرق باب الإسلاميات والغزل والوصف والوطنيات والرثاء والمديح والمناجاة والنصح والإخوانيات فضلًا عن الحنين إلى الماضي وشكوى الزمان، كما أن شعره لم يخلُ من الحكم والأمثال، تتلألأت إسلامياته في ملحمته الإسلامية (الزهراء) التي بلغ عدد أبياتها ألفًا ومائتين وخمسين بيتًا، كما تجلت إسلامياته في العديد من القصائد كمكتي قبلتي، والعظيم صلاح الدين الأيوبي، وصوت الحجاز، ومشاعر ومشاعر، ويتراقص شعره الغزلي في ديوانه (أغاريد) وفي قصائده العديدة المتفرقة في دواوينه الأخرى، لافتة إلى أن شعره المتعلق بالمناسبات يثبت علاقَته الوثيقة بمجتمعه وأصدقائه، ومتابعته للأحداث والإنجازات وتأثره بأهدافها النبيلة كمتابعته لحركة الشباب التعليمية واهتمامه بتأمين الماء للمدن، وإنشاء دور الأيتام، كما يبرزُ في شعره الوصفي مدى شغفه بالطبيعة حية وصامتة. مختتمة بالإشارة إلى أنها ومن دراستها الإحصائية للأوزان والقوافي عند القنديل ترى أن شاعريته سبحت في اثني عشر بحرًا بنسب متفاوتة وهي: الخفيف ويحتل الصدارة عنده ويليه الكامل فالطويل فالبسيط فالرجز فالرمل فالوافر فالهزج فالمتقارب فالمتدارك فالمنسرح فالسريع، كما أنه نظم أغلب شعره على النهج العربي القديم، كما نظم قصائد متغيرة الروي والقافية ما بين مثلثات ومربعات ومخمسات ومسدسات وغير ذلك. مؤكدة كذلك تأثير قنديل بالمحدثين من أمثال شعراء المهجر وأبوللو والديوان، كما ساير شعراء التجديد الذين مالوا إلى التحرر من قيود الوزن والقافية. أعقب ورقة فاطمة تقديم عرض مرئي لبعض برامج الراحل في إذاعة جدة ومنها برامج “حكاية”، و“قناديل”، مع تقديم أغنية جدة التي صاغ كلماتها الراحل قنديل. إحساس دقيق أما الدكتور عبدالله بانقيب فقد أشار في كلمته إلى أن بواكير شعر قنديل في الخمسينيات كانت تبشر بميلاد شاعر كبير مستشهدًا في ذلك بما كتبه محمد علي مغربي أحد معاصري الراحل قنديل، الذي أشار في معرض حديثه إلى أنه كان شاعرًا يملك من دقة الإحساس ما مكنه من هذا النفاذ العاطفي، ويعد من الأدباء الذين أتيح لهم أن يعبوا من الثقافة الحديثة قدرًا لا بأس به، إلى جانب تمرسه بالأساليب العربية العريقة، وتضلعه بها. كذلك استشهد بانقيب في حديث بما كتبه الرائد عبدالله عبدالجبار حول قصيدة الراحل قنديل في رثاء ابنته بقوله: هذه المرثية تعتبر تجربة حية خصبة. وهي تجمع إلى الإحساس العميق دقة الملاحظة، وبراعة الوصف وتصور نفسا كليمة تحتمي من نار الشجن بذكريات الشجن. ثالث الاستشهادات التي قدمها بانقيب لبيان مكانة الأديب قنديل ساقها، مما كتبه محمد عمر توفيق في مقدمة كتاب «الجبل الذي صار سهلا» لقنديل حيث كتب يقول: إنه كاتب «بلدي» بكل معنى الإخلاص التلقائي للبلد، لغةً وتاريخًا وروحًا، وفكاهة يغلب عليها الأدب والفن عموما. مختتمًا بقوله: وأخيرًا فإن رحل الأستاذ أحمد قنديل فإن آثاره الشعرية والنثرية ستظل مصدرًا من أهم مصادر تاريخ الحياة الصافية في مدن الحجاز وأصدقها، ففي آثاره: الصور الحية للناس، وطرق حياتهم ومعاشهم وتعاملهم، وفيها الأمثال والحكم الشعبية والأساطير التي كانت تجري على ألسنة الناس، وفيها أساليبهم في النكتة والضحك، وأساليبهم في التربية وشغل أوقات الفراغ، فيها التسلية والأدب والثقافة. وقد شهدت الأمسية العديد من المداخلات؛ حيث ثمَّن الدكتور إبراهيم نتو دعوة الدكتور القحطاني بإنشاء المكتبات للرواد، مطالبًا أدبي جدة أن يكون له إسهام في تبني هذه الفكرة بوجود مكتبات للأدباء الروّاد في المجمعات التجارية، فيما أشار الدكتور عبدالله المعطاني في مداخلته إلى أن تكريم قنديل مشروع قام به النادي منذ مدّة سماه «مشروع تكريم الروّاد»، الذي تخلله مسبقا تكريم شخصيات بارزة مثل محمد حسن عواد خلال ملتقى النص العاشر وأحمد عبدالغفور عطار في ملتقى النص الحادي عشر وكذلك مطلق مخلد الذيابي وغيرهم الكثير، لافتا إلى أن أدب الروّاد أمثال قنديل لم يقرأ بعد قراءة نقدية تتجاوز اللغة، وملمحا على ذات النسق إلى أن الأدب الساخر والذي كان يتميز به قنديل لم يدرس دراسة مستفيضة، وفي مداخلته توقف الكاتب يحيى باجنيد عند ديوان «المركاز» لقنديل.