«لا وقت لانتحال الأعذار أو التأخير.. هذه لحظة الحقيقة». بتلك الكلمات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في ختام مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي استضافته تركيا أمس الأول، لا يشكل تصريحا سياسيا يصدر عن مسؤول سياسي وحسب، بقدر ما يشكل مؤشرا هادفا وتوصيفا دقيقا للمرحلة التي وصلت إليها الأزمة السورية، وللاستحقاقات المرتبطة التي تداهم المجتمع الدولي ومؤسساته وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي. عندما تطلق رئيسة الدبلوماسية الأمريكية هيلاري كلينتون مصطلح «لحظة الحقيقة» فهي تتجاوز التعبير الإنشائي إلى مربع عنون المرحلة المقبلة التي تلي مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، والذي وفقا لمصطلح كلينتون هو المؤتمر الفارق ما بين معسكرين، معسكر يطالب ويتمسك بحماية الشعب السوري من بطش وقتل نظامه، ومعسكر متمسك بحماية النظام، وآلة القتل التي يملكها. والتمييز بين المعسكرين ودقة أن مؤتمر تركيا والذي سمي مؤتمر أصدقاء سورية، كان الحد الفاصل هو خروج سيل من التصريحات مواكبة للمؤتمر وبيانه الختامي من معسكر الداعمين للأسد وأعوانه بداية عبر رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي خرج ليقول من دون مناسبة أن نظام الأسد لن يسقط، ومثله فعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحريص على منطق الدولة ومؤسساتها، وقبلهما أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي أعلن نهاية الحرب على نظام الأسد.؟! «إنها لحظة الحقيقة..؟» صدقت كلينتون حينما أخطأ الكثيريون في قراءة وتحليل كافة المعطيات الموجودة إن في أرض الميدان بالداخل السوري، أو في الأروقة السياسية الدولية من موسكو مرورا ببكين وانتهاء بطهران، وما بينهما عواصم وعواصم تدري ما يحصل وتقرأ ما سيحصل.!! فقراءة مرحلة ما بعد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في نسخته الثانية في تركيا يستوجب رصد خارطة التحركات التي سبقت المؤتمر لأبرز المتكلمين فيه. فرئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الذي أكد رفض أي خطة تؤدي إلى استمرار النظام الأسدي،جاء إلى المؤتمر الذي استضافته بلاده من بواية جولة شملت روسيا وطهران، ففي حين التزمت الأولى الصمت خلال زيارة أردوغان لها، فالثانية وعبر مرشدها خامنئي قالت لن تسمح بإسقاط نظام الأسد، وستدافع عنه. وهنا لا بد من التساؤل، ماذا قال أردوغان ليرد عليه الخامنئي بهذا الجواب؟!. فيما الوزيرة كلينتون أقبلت إلى المؤتمر بعد جولة خليجية وأبرز محطاتها كانت في المملكة العربية السعودية حيث التقت خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وعبر هذه الجولة أدركت الوزيرة كلينتون فعبرت في المؤتمر وقالت: «لحظة الحقيقة». على خلفية كل ذلك، جاء وزير الخارجية التركي داوود أوغلو ليرسم طريق الغد فيقول: «أطمئن الشعب السوري أننا سنبقى إلى جانبه حتى انعقاد هذا المؤتمر في دمشق». لتكتمل الصورة بذلك وهو ما ستؤول إليه الأمور في الأيام المقبلة، وتركيب أجزاء الصورة ليس بالعملية الصعبة، وعلى نظام الأسد وحلفائه في الداخل والخارج القريب منه والبعيد أن يدركوا ذلك. الجزء الأول أن رواتب ضباط وعناصر الجيش الحر ستدفع. والجزء الثاني أن الدعم المالي سيصل للمعارضة من كل أصدقائها. والجزء الثالث أن العالم بأكثريته المطلقة والفاعلة اعترف بالمجلس الوطني ممثلا للشعب السوري، وهو اعتراف ذو شقين الأول: إن هذا المجلس بات كيانا واضحا. والثاني: إن الاعتراف به نزع لشرعية النظام في دمشق. فيما يبقى الجزء الثالث: وهو في تكوين نظام الأسد ومفاده أن هذا النظام لا يمكنه ولا يقدر على تنفيذ خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي عنان، فهو لا يملك الرغبة ولا القدرة ووعده الجديد لن يكون أفضل من الوعود السابقة. مؤتمر أصدقاء سورية في نسخته الثانية سيكون فيصلا بين مرحلتين، الأولى مرحلة التعمية عن رؤية الحقيقة، والمرحلة الثانية هي مرحلة فتح العيون لرؤية الحقيقة. إنه التحدي لكل قيم المجتمع الدولي المطالب أن يثبت أن ما يدعيه من حماية للشعوب والإنسان حقيقة. والمهم الآن البدء في بلورة الجوانب القانونية للاعتراف بالمجلس الوطني، وإضفاء الشرعية الكاملة على المجلس، لكي يستطيع مهامة كبديل للنظام السوري من الخارج حتى الوصول إلى لحظة الحقيقة عبر سقوط النظام الأسدي والذي سيحدث عاجلا أو آجلا.