لا شيء يمكنه استفزاز مشاعر موظفٍ مجتهد ويؤجج إحساسه الدفين بالقهر مثل التجاهل، انعدام المبالاة، والشح المفرط في تقدير عنائه اليومي لصالح إنجاز مهامه وتقديمها في صورةٍ مرضِية. وفي هذا السياق يحكي لنا التاريخ أن أحد أهم الموظفين تحت قيادة الديبلوماسي الشهير «هنري كيسنجر» قدم له ذات يوم تقريرا كان قد انهمك في إنجازه أياما. وبعد أن سلمه إلى «كيسنجر» أعاده هذا إليه مع ملاحظة يتساءل فيها: «أهذا أفضل ما تستطيع عمله؟»، فأعاد الموظف كتابته، وتنميقه، ثم تسليمه مجددا. فعاد إليه التقرير حاملا نفس السؤال المقتضب. وبعد أن أعاد صياغته للمرة الثالثة، وتلقى السؤال نفسه من كيسنجر مرة أخرى؛ فوجئ المحيطون بالموظف ينفجر بحدة: «اللعنة! نعم، إنه أفضل ما أستطيع!!». عندها رد كيسنجر ببرود: «حسنا، أظن إذن أنني سأقرأه هذه المرة». وبغض النظر عما كان «كيسنجر» يرمي إليه بهذا السلوك؛ لم يكن باستطاعة مخلوق أن يلوم موظفه المجتهد على رد فعله بعد كظمٍ طويلٍ للغيظ. ومثل هذا المرؤوس كثيرون في وقتنا الراهن ممن يودون صب جام غيظهم وغضبهم على رؤساء يفتقرون إلى حس تقدير موظفيهم ومعاملتهم باحترام يليق بما يستحقون. انعدام التقدير الذي يصل إلى حد «الإنكار» و«التحقير» أحيانا يملأ النفس شعورا بانعدام الجدوى، ومادامت النتيجة تظل سلبية إلى أقصى الحدود في جميع الأحوال؛ لن يكون عجيبا رؤية أولئك العاملين يقدمون أسوأ ما لديهم، ويتصيدون أقرب الفرص لإفساد عمل المؤسسة، وعرقلة كل فرصة قد تؤدي إلى نجاحها، والتحول إلى عملاء مزدوجين يخدمون جهات منافسة لها، ثم الفرار إلى أول وجهة عملٍ تبتسم لمهاراتهم ولو نصف ابتسامة، وعلى هذا يقاس أثر انعدام التقدير في كل علاقة إنسانية. [email protected]