أحاول باستمرار أن أشاكس رقيب هذه الصحيفة وأختبر نباهته، ولكنه لا يفوت حرفا أو كلمة إلا بعد أن يتفحصها ويقلبها ويلون تفاصيلها، ولم تنجح محاولاتي معه ولا أتمنى نجاحها، وأود أولا أن أشكره فقد كانت تقديراته موفقة وسليمة في معظم الأحيان، والأهم أن كاتب السطور يكتب ما يريد وهو مرتاح البال، لأن هناك من يتابع وراءه ويقيل عثراته، وأقولها صادقا وجادا وإن تصور البعض غير ذلك. حتى لا نضيع، قرأت خبرا منشورا في جريدة الحياة يوم الأربعاء 21 مارس، جاء فيه إن السعودية حصلت على المركز العشرين عالميا والثاني خليجيا، في قائمة الدول المتوقع زيادة رواتب وعلاوات موظفيها في القطاع الخاص. والعبارة الأخيرة لم تحضر في العنوان وحضرت في نهاية الخبر، والكلام ليس اعتباطيا وأكدته دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة عالمية مختصة بشؤون وشجون التوظيف، وشمل خمسة آلاف وثمانمائة شركة من إحدى وثلاثين دولة، ونسبة الزيادة السعودية سبعة ونصف في المئة تقريبا، ولم يتقدم علينا خليجيا إلا الإمارات، وتصدرت القائمة دول الدنمارك ثم إيرلندا وبعدها بريطانيا. والخبر لم يحدد معيار أو أسباب اختيار الدراسة لدول أو شركات دون غيرها، ولم يتناول من قريب أو بعيد جنسية الموظفين المستفيدين من الزيادة أو مستوياتهم الوظيفية، فالمعروف محليا أن المناصب القيادية في الشركات والبنوك تذهب في الغالب لجنسيات عربية أو غربية، وأنهم غالبا يحتكرون الزيادة في الرواتب والعلاوات. وبريطانيا تمر بضائقة مالية وسرحت أعدادا كبيرة من أبناء وبنات البلد، والطبيعي أن ترتفع رواتب البقية لوجود فائض توفر بفضل عملية التسريح. ونسبة محترمة ممن يعمل في القطاع الخاص الخليجي باستثناء السعودية ليسوا خليجيين، وبالتالي فالقائمة لا تسجل تفوقا بقدر ما تدين المشاركين فيه. أهل الاقتصاد قد يفسرون الموضوع بطريقة مختلفة، وقد يجدون تخريجات تخدم الرقم وتمجد المركز المتقدم، وهم قادرون فالأرقام لعبة اقتصادية، وصحيح أن الأرقام لا تتجمل ولا تجامل، إلا أن التجمل والمجاملة مشروطة بالمدخلات السليمة والصادقة، ولعل الأصح في رأيي أن يقال بأن الشركة أو الشركات الفلانية المسجلة أو المملوكة لشخصيات سعودية حققت إنجازا أو ريادة مع ذكرها بالاسم، وأن لا تعمم القضية لأنها لا تعكس الواقع وتتحايل عليه، وتنقل صورة مغلوطة للمسؤول أو صاحب القرار أو المهتم والمتابع للشأن السعودي، ولو افترضنا اعتماد تقديرات الزيادات المتوقعة سعوديا، على ماتم قبل فترة في القطاع الخاص انسجاما مع الأمر الملكي الكريم بزيادة رواتب الموظفين والموظفات في الدولة، لا بد من أن يفهم من أعد الدراسة بأن هذا النوع من الزيادات موسمي ولا يتكرر دائما، ولا يقدم عليه القطاع الخاص إلا مرغما، وقيام مؤسسة عالمية ومختصة بإجراء الدراسة من الأساس، يشير نسبيا إلى أن جمهورها خارج الحدود الوطنية، ويطرح إشكالية المستثمر الأجنبي وامتيازاته.. قبل أن تخدعنا القائمة يجب أن نفكر في من يبحث عن الرواتب ولا يجدها، وفي أكثر من أحد عشر ألف عاطل سعودي، رفض برنامج « حافز » إدراجهم ضمن المستحقين لمكافآته الشهرية، واعتذر القطاع الخاص عن مساعدتهم، وفي دكاترة لا تقبلهم الجامعات لأن تخصصهم في البكالوريوس يخالف الماجستير والدكتوراه، أو لأن معدلهم في البكالوريوس أقل من جيد جدا، أو لأن ممتحنيهم في المقابلات الشخصية غير سعوديين، أو للمحافظة على بدل الندرة الممنوح لمن يعملون فيها، والأصعب أن السابق يتم بدون حجة نظامية أو مسوغ أكاديمي، ولايهتم بملايين صرفتها الدولة لابتعاث هؤلاء، وإذا كان المذكور في حكم المؤكد، فلماذا لا يخير المبتعث والمبتعثة بين البعثة أو استلام ميزانية ابتعاثه كاملة ليبدأ بها مشروعه الخاص، وأعرف أن المشروعات وتمويلها محكوم بتنظيمات مستقلة لا علاقة لها بالابتعاث ولكنها فكرة رغبت في طرحها، وأعتقد أن الاستثمار في العقول وتركها تواجه مستقبلا مجهولا ومحبطا، قد يضيف مشكلات جديدة ويوسع دائرة انتشارها، وإن الزيادة في الرواتب والعلاوات ترفع الضغط بصراحة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة