الكلام المسؤول والعقلاني والشفاف للأمير سعود الفيصل ينسجم تماما مع ما طرحه ونادى به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في رسالته الأولى إلى النظام السوري بضرورة حقن الدماء، ووقف آلة القتل. وهذا الكلام المسؤول يعبر عن حس القيادة السعودية العالي والمسؤولية التاريخية الأخلاقية والإسلامية التي يتحملها خادم الحرمين الشريفين تجاه الشعب السوري. وفي الحقيقة هذا الموقف هو رسالة موجهة للعالم بضرورة وقف القتل والتدمير اليومي في سورية، وعدم السماح للنظام السوري بالتمادي في قتل النساء والأطفال والشيوخ، وإعطائه المزيد من الوقت لتحقيق ذلك، وهي صرخة مسؤولة وموقف حازم بضرورة التعاطي مع هذه المسألة الإنسانية بكل قوة وحزم . وفي الحقيقة أن مواقف المملكة فيما يتعلق بالأزمة السورية لايمكن أن توصف إلا بالمواقف الواضحة والصريحة التي عكست مايشعر به الشارع العربي تجاه الشعب السوري المغلوب على أمره . وهي ليست المواقف الضعيفة، أو المواقف الملتبسة التي تقوم بها بعض الدول في هذا الشأن . المسؤولية هي مسؤولية عربية وعالمية، وعلى المستوى العربي يجب على العرب جميعا أن يتحدوا ويوقفوا المجازر ضد الشعب السوري. وأعتقد أن المملكة قد اتخذت فعليا وليس خطابيا المواقف المناسبة والمبدئية حيال الأزمة السورية، بل قادت هذه المواقف خليجيا وعربيا ودوليا. وقد ظهر ذلك جليا في مقررات مجلس وزراء الخارجية العرب بضرورة تنحي الرئيس الأسد كما جاء في المبادرة العربية، وتشكيل حكومة انتقالية تؤدي إلى إعطاء الشعب السوري حقه، وتوقف آلة القتل، وتوقف المجازر التي ترتكب بحق الشعب، وإلى وقف إطلاق الصواريخ والمدافع والدبابات على المدن السورية إضافة إلى وقف الاعتقال وتهجير الشعب وهذه القرارات جاءت بمبادرة عربية كريمة ذات موقف سعودي نبيل ومسؤول. ومعروف لدى العالم أجمع أن المملكة في سياساتها الخارجية هي سياسات ثابتة ومسؤولة وحريصة وتسعى دائما إلى التعاون والسعي الحثيث للاستقرار والسلام والأمن في المنطقة . فالمملكة لم تتخذ هذه المواقف تجاه النظام السوري إلا بعد أن استخدمت كل الوسائل المتاحة، وبذلت الكثير من أجل الاستقرار العربي والإقليمي وحتى الدولي وهذا ظاهر في سياستها عندما أقدم خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت على دعوته إلى المصالحة وفتح صفحة جديدة بين الدول العربية والحرص على الاستقرار والتعاون وهذا كان بعد أن قام بشار الأسد بممارسات سيئة بحق العرب واستفزازهم واللعب بالتوازنات السياسية في كثير من القضايا العربية إلا أن المملكة سعت إلى رأب الصدع، وجمع الكلمة بين الدول العربية، وكلنا يعرف عندما اصطحب خادم الحرمين الشريفين الرئيس بشار الأسد إلى بيروت لتعزيز المصالحة اللبنانية. إذا المملكة تسعى دائما وتعطي المزيد من الوقت ولا تقدم على الخطوة الحاسمة إلا بعد أن تستنفد كل الوسائل الطبيعية، وتجد أن الوضع لم يعد يحتمل، وأن لا وسيلة للمعالجة إلا بعد اتخاذ هذا الموقف الحازم انسجاما مع مواقف الشعب السوري وبسبب مواقف النظام الإجرامية والتي أصبحت تهدد الاستقرار في المنطقة. فهذا النظام هو رأس الحربة في مشروع إيران للتمدد في المنطقة العربية وخصوصا التدخل في شؤون دول الخليج. وأعتقد أن النظام السوري وبأسلوبه الإجرامي وبممارساته التي أصبحت لا تخفى على العالم، وبعد أن انكشف أمره في كل القضايا فإذا كان الصحافيون لم يسلموا من القتل والقصف العشوائي فكيف لنا أن نتصور ما يجري بحق الشعب السوري، وكيف يمكن لنا أن نتصور ما يحل بالقرى والمدن والمنازل الآمنة وخاصة في بابا عمرو وحمص فهناك نظام إجرامي يجب أن يحاكم أمام المحاكم الدولية على جرائم الحرب التي يرتكبها بحق الشعب الأعزل. فهذا النظام سقط في الشارع السوري لا، بل سقط على مستوى العالم العربي فالعالم كله ينظر إلى هذا النظام باشمئزاز باستثناء دول لها مطامع ولها أهداف تريد أن تحققها على حساب دماء الشعب السوري مثل روسيا والصين وطبعا إيران؛ لأنها لا تريد لسورية أن تقوم على منطق حرية الشعب السوري، وتحقيق عروبته، بل إنها تريد نظاما تابعا لها يساعدها على تنفيذ أهدافها ولكن الموقف العربي الموحد أفقد النظام السوري قدرته على البقاء .فالمطلوب موقف حازم لإسقاط النظام بقوة دولية فنظام الأسد لم يعد له أي شرعية. إن مؤتمر أصدقاء تونس قد يكون نجح في جمع مراكز صناعة القرار الدولي ولكن مقرراته لم تلب حاجة الشعب السوري بشكل كامل . فالمؤتمر لم يحكم بما يتوجب عليه لوقف آلة القتل فالنظام السوري أعطي فرص كثيرة، ولكنه لم يلب حاجة الشعب ومطالبه المحقة رغم تدخل دول كثيرة حثت النظام على الاستقرار؛ إلا أنه أصر على الحل الأمني وقتل الشعب. إن المسرحية الهزلية التي قام بها النظام الأسدي عبر ما يسمى بالاستفتاء على الدستور لن تغير واقع الأمور، فأي حراك ديمقراطي يأتي تحت مظلة السلاح والعنف والقتل يفقد شرعيته لا، بل يشكل محضر اتهام جديد بقهر الشعب ومصادرة قراره الحر.