تصريحات وممارسات إيران ضد الدول العربية لم تأتِ من فراغ، بل استمرار لسياسة الشاه من قبل، ويمكن ربطها برغبة الإيرانيين الفرس بأخذ الثأر عما لحقهم من هزائم إبان الفتوحات الإسلامية في عهد خلافة عمر بن الخطاب، وانتصار العرب في معركة القادسية، ورغبتهم في خدمة مصالحهم السياسية التي يرمون من ورائها إلى بناء إيران كقوة إقليمية ودولية يحسب لها حساب. بلا شك، المنظور التاريخي للعلاقة مع العرب، والرغبة للأخذ بالثأر، إضافة إلى المصالح السياسية لإيران الرامية لإقامة الإمبراطورية الفارسية من جديد هما عاملان مهمان، ومن محددات السياسة الإيرانية تجاه العرب اليوم وفي المستقبل، وفي انسجام مع تصريح الخميني بعد قدومه لإيران 1979م، بما معناه: على الفرس أن يأخذوا دورهم في قيادة العالم كغيرهم ممن سبقهم من الأقوام الأخرى، وهذا من أسس ما يعمل بمقتضاه قادة وملالي إيران من توسع وتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. قادة إيران اليوم، ملالي وسياسيين وعسكريين، يلقون التصريحات تلو التصريحات والتهديدات للعرب، وخاصة عرب الخليج، لماذا؟ لأنهم مغمورون بذكرى الماضي. ولا تخلو تصريحاتهم وأقوالهم من الحقد والغطرسة والكراهية والاستعلاء والعنصرية، وينسى الإيرانيون الفرس اعتداءات إمبراطوريتهم القديمة، قبل الإسلام، على المناطق العربية التي يروى أنه عندما انتصر عرب الحيرة على الفرس في معركة (ذي قار) قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم». يرى الفرس أنهم أنقى وأفضل من العرب، ويحملونهم اليوم عبء ما حدث قبل ألف وأربعمائة سنة، هذا إلى جانب احتقارهم لكل ما يتعلق بالعرب من ثقافة وإنجازات حضارية مهمة، ويشهد بها العالم. مع ذلك تطمع إيران في التوسع في منطقة الخليج وتتدخل في الشؤون الداخلية لدولها، والشؤون العربية بشكل عام لأغراض توسعية وسياسية. حديثا احتلت إيران آبار بترول عراقية في منطقة الحدود المشتركة وتخلت عنها فيما بعد، وأعلنت عزمها لاستغلال حقل الدرة الواقع في الجرف القاري للمنطقة المقسومة بين المملكة والكويت. هذان الحدثان، مع الادعاء سابقا بالبحرين واستمرار احتلالها الجزر الثلاث لدولة الإمارات العربية، دليل واضح لتوجه إيران التوسعي. وغير خافٍ تدخلها في شؤون العراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن، فقد ساندت إيران القتل والمظاهرات والتخريب والفوضى في الخليج وخاصة في العراق والبحرين، بقصد نشر نفوذها وكسب التأييد فيهما. وتدخلت إيران في شؤون لبنان، بهدف نشر نفوذها، وعززت وجودها في سوريا بكل الوسائل والسبل، ودعمت حزب الله اللبناني بالمال والسلاح. كما تدخلت في شؤون اليمن ودعمت الحوثيين للانفصال من وطنهم الأم، ولازال تدخلهم فيها، مع الأحداث وعدم الاستقرار، بازدياد بقصد إشعال نار الفتن بين الفئات المختلفة هناك. وامتد تدخلها إلى دول القرن الأفريقي حيث تقوم بإثارة الفتن، كوسيلة لنشر نفوذها فيها، ويعزز هذا التوجه الإيراني العام تجاه الشأن العربي ما تناقلته الصحف في يناير / فبراير عن تصريح الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري المتضمن: أنه حول العراق وجنوب لبنان إلى منطقة نفوذ لبلاده.. والله أعلم.