فينك يا أيام زمان، ليه رحتي وسبتينا ليت اللي جرى ما كان، ليت حلاوتك تعود لينا، أيام الصبا والشباب في الأزقة والحارات كنا وإحنا صغار نلعب بالتراب، وكمان ناكله لأن تراب المدينة يقولوا شفا، عشت حياتي في العنبرية أيام ما كنت أساعد أبويه في دكانه الله يرحمه، وكنت أشوف أهل مكةالمكرمة لمن يجوا إلى المدينة وهم على الحمير المزركشة وعددهم بين العشرة والعشرين متعممين بالعمائم والشيلان القباني، وكانوا أطفال الحارة يجروا وراهم مرددين بصوت واحد (هلا هلا باللي جا يا مرحبا باللي جا) حتى يوقفوا الركب عند باب السلام، وهي عادة أهل مكة لمن يوصلوا للمدينة يروحوا للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ونسمعهم يقولوا «عسا عسا في كل عام نشاهد البدر التمام نبينا خير الأنام»، وأتزكر من شدة فرح أهل المدينة يتسابقون لاستضافتهم ويفتحوا لهم بيوتهم وهذه الزيارة عادة سنوية يسووها أهل الركب من مكة، وتكونت علاقات بين أهل مكةوالمدينة، وكنا نسمع في مكة حوش يسموه حوش المداينة يجتمع فيه اللي يروح لمكة من أهل المدينة وينزلوا ضيوف عند اللي يحب إكرام أهل المدينة وخاصة أهل الركب كنوع من رد الجميل. وكانت زمان الأحوشه في العنبرية كثيرة افتكر منها زقاق السلطان، حوش شنان، حوش الخياري، حوش الراعي، حوش الجوهري، حوش أبو ذراع ويعتبر أكبر حوش في العنبرية، وكان الحجاج لمن يجو للمدينة في الحج كانوا يفضلوا السكن في بيوت العنبرية بأسعار رمزية وكانوا أصحاب البيوت يسووا لهم الأكل حتى مغادرتهم إلى مكةالمكرمة، وافتكر لمن كنا نتفرج على العساكر في (القشلة) اللي كانت محطة تدريب الجنود مكان إمارة المدينة في الوقت الحاضر. وسميت العنبرية بهذا الاسم حسب ما سمعنا لرجل عثماني أو تركي يسموه عنبر أغا، وكمان عشان يخرج منها ريحة العنبر والله أعلم، وزمان كان باب العنبرية يتكون من باب كبير وصغير يقفلوها حزت أذان المغرب وما يفتحوها إلا بعد صلاة الفجر عشان حماية للمدينة ويحافظوا على الأمن، وفي العنبرية مدخل الهاشمية ودكان (الكيال) وكنا ندخل منها على أرض محبة والسيح وكانت في الجهة الشرقية دكت الترجمان وحمام البخار القديم.