ما يحصل في الجدل الدائر بين الأطياف الفكرية لا يمكن له أن يعتبر ذلك حدثا طبيعيا من الناحية الجدلية، فالقضية تتعدى الجدل إلى التطاحن أو محاولة البحث عن أي فرصة للانقضاض على الطرف الآخر. الأفكار في طبيعتها جدلية بمعنى أنها تأخذ مساحة من الرؤية الجدلية، وهي بذلك غير وثوقية مهما حاول أصحابها أن يطبعوها بذلك، ومهما كانت علاقتها بالمقدس فهي لاتعدو كونها قراءة من ضمن قراءات متعددة للمعطيات المقدسة، فضلا عن الأفكار التي هي دون ذلك، ويمكن قبول الجدل من هذه الزاوية كونه يدور في الجانب الفكري دون الصعود إلى مستويات الاعتداء بكافة أشكاله مهما صغر حجم هذا الاعتداء حتى لو كان لفظياً. الذي يحصل أن هذه الأفكار دائما ما تولد صراعات بين عدد من الأطياف.. الصراع الذي يجنح إلى التوحش وإلغاء الآخر أقرب إلى المحرقة الثقافية (هولوكوست فكري)، لذلك فإن خطأ إنسان واحد يمكن أن يتشعب إلى الانتقام التام من أطياف عديدة بعضها مخالفة، وبعضها يحاول التوسط، لكن في حالة التشنج الفكري إذا صح الوصف يغيب صوت العقل والقراءة الهادئة لصالح صوت التوحش والسحق أو السحل الثقافي. في لحظات الهيجان يمكن أن يرتد الإنسان إلى أكثر لحظاته توترا فلا يستطيع قراءة الأمور قراءة هادئة حتى يضع مسافة بينه وبين الحدث. هذه المسافة تعطي نوعا من الشك في سياق الحدث ليثبت صحته أو عدمه. أما من هو داخل حلبة الصراع، فإن همه هو إلحاق الضرر بالمنافس بالوسائل المشروعة وغير المشروع، لذلك فإن ذهنية الانتقام دائما ما تعود في الكثير من حالات الضرر المتبادل بين الأطراف؛ إلا لبعض الأطراف التي لديها القدرة على التسامح والتعايش مع الآخر، وهذا غير مشاهد حتى الآن إلا في حالات ضئيلة جدا لدينا للأسف.