عاش القرن الماضي أنظمة سياسية ثلاثة هي الأنظمة الشمولية وهي التي تتحكم في الاقتصاد والتجارة ومختلف النشاطات، وأنظمة تسلطية وهي التي تحتكر الجانب السياسي، مع السماح بهامش من الحرية أحيانا، وأنظمة ديمقراطية تحكم من قبل الشعب وتحقق العدالة، وتمكنه من ممارسة حرياته وحقوقه. بدأت الأنظمة الشمولية تتهاوى في القرن الماضي عندما تداعى الاتحاد السوفيتي، ومع بداية القرن الحادي والعشرين أخذت الأنظمة التسلطية تتساقط نتيجة لرغبة الشعوب في الأخذ بزمام الأمور، خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي وكان من نتائج ذلك ما حدث في ربيع براغ والثورات الملونة في أوروبا الشرقية. واليوم نجد الشعوب في الشرق الأوسط تتحرك للأخذ بزمام السلطة والإطاحة بالأنظمة التسلطية.. أما في سوريا فقد أخذ الأمر منحى آخر، فالأنظمة الشمولية التي تداعت أخذت تخشى من الثورات الشعبية في مجتمعاتها قبل أن تجري إصلاحاتها. فمثلا الصين لاتزال تحت وطأة الإجراءات البوليسية يعرف ذلك من يقوم بزيارتها، وتخشى من التحرك الشعبي المضاد في كل من التبت والإيغور أن يستيقظ فيها كما تعلم أن الولاياتالمتحدة تتربص بها، أما روسيا فبالإضافة إلى مصالحها في طرطوس التي تعتبر آخر معاقلها على البحر الأبيض المتوسط كما تمثل سوقا للسلاح الروسي، إلا أن روسيا تخشى ثورة المسلمين عليها في الشيشان وفي تترستان وغيرها من المناطق الإسلامية، بل وتخشى من اتصال الثوار في مصر وسوريا بالمتظاهرين في موسكو وسان بطرسبرج عبر الفيس بوك.. لقد كانت الولاياتالمتحدة على يقين من أن روسيا والصين سوف ترفضان الحل العربي، ومع ذلك شجعت على طرحه في الأممالمتحدة، وبعد الفيتو تبين أنها تريد إخراج الصين وروسيا من وجدان الأمة العربية، وهذا ما نجحت فيه الولاياتالمتحدة التي تقتات على حماقات الآخرين. ومع ذلك فإن الصين وروسيا لم تسلما من إعراب خادم الحرمين الشريفين عن أسفه لاستخدام الفيتو، وهذا ما يجعلهما يحاولان العودة إلى التفكير من جديد.. وهو ما سوف نلمسه في الأيام القادمة. • رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية.