يشكو البعض من أننا في مدارسنا لا نعلم أولادنا التفكير، وأن ذلك صيرنا مجتمعا يقف موقف المستهلك للحضارة المعاصرة والمتفرج عليها، لا موقف المشارك في بنائها والمسهم في صنع شيء منها. قد يكون في هذا القول شيء من الحق، ولكن ليس كل الحق، فلا أظن من الصواب أن يوجه اللوم كله إلى عدم تعليم التفكير في حين يغفل أمر آخر لايقل أهمية عنه، وأعني به حب العمل. فنحن إن جاز لنا أن نصف أنفسنا أمة لا تفكر ولاتعلم أولادها التفكير، فإننا أيضا أمة لاتحب العمل ولا تعلم أولادها حبه، وإن كنا في حاجة إلى تعليم أولادنا التفكير فإن حاجتنا إلى تعليمهم حب العمل لاتقل عنها. التفكير يعين الإنسان على الوصول إلى المعرفة ويمكنه من الرؤية الصائبة ويمده بالقدرة على التمييز بين الحق والباطل. ولكن هل لذلك قيمة إن هو لم ينتفع به على أرض الواقع فيترجم إلى أعمال تمارس وثمار ناضجة تقتطف؟ ما قيمة التفكير إن هو لم يصحبه عمل يخرجه من نطاق النظرية إلى حيز التطبيق؟. إن هذا ما يدفعنا إلى القول إن كان المجتمع في حاجة إلى مفكرين مجيدين، فإنه أيضا في حاجة إلى عاملين منتجين، فكم أعد لنا التفكير من الخطط البهية للنهوض بالمجتمع، وكم رسمت لنا العقول المفكرة من المشاريع الإصلاحية. وكم أنفقنا من الأموال لإجراء الدراسات النظرية المستحلبة من منابع أذهان خيرة الخبراء والمستشارين، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ ما الذي نتج عن ذلك الفيض الكبير من النتاج الفكري؟. في أغلب الأحوال لا شيء سوى رزم من الأوراق وعديد من اللجان وكثير من الوقت الضائع والمال المهدر، والسبب أن الموكلين بالتنفيذ نشؤوا ولما يتعلموا حب العمل بعد!. ما يغلب على الناس في مجتمعنا، الرغبة في التهرب من العمل والتسابق على التفلت منه، انظر إلى الطلاب في المدارس والجامعات، الأغلبية منهم يذهبون إلى مؤسساتهم العلمية وهم يتمنون غياب المعلم لينعموا بساعة لهو وكسل، وانظر إلى الموظفين خلف مكاتبهم، تجد الأغلبية منهم معلقة عيونهم بساعاتهم يترقبون متى تحل ساعة الانصراف. وانظر كم هم الذين يتشبثون بأسرتهم سحابة النهار لا يفارقونها إلا مكرهين. وكم هم الذين انحنت ظهورهم أمام أجهزتهم الالكترونية يتجولون في عالمهم الافتراضي بلا جدوى تطلب، وكم هم الذين تصلبت أعناقهم واحمرت عيونهم وهم ملتصقون بشاشات الفضاء لا يريمون عنها. وكم هم الذين تكتظ بهم الطرقات يذرعونها بلا غاية، وكم هم الذين تغص بهم الاستراحات والمقاهي يطحنون ساعات اليوم في هباء. انظر إلى جميع أولئك ثم احسب معي كم من الزمن يهلك ويفنى على تلك الأيدي الفارغة من العمل!!. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة