ذات وجع إنساني، قال الشاعر المصري الكبير أمل دنقل: أيها الناس كونوا أناسا. جملة شعرية، تنادي بكثير من القيم الإنسانية والأخلاقية التي يفتقر إليها النسيج الاجتماعي، آنذاك، قبل استفحال الأنانية الكونية والبحث عن الخلاص الفردي. وتردد ذات العبارة أيها الصامت، بين الفترة والفترة، كلما ألفيت بعض أهلك وناس وطنك الكبير الذين تصافح وجوههم في البيت والشارع والعمل، أو الذين قد تراهم في ردهة المطار أو بجوارك في مقعد الطائرة.. أنت كمواطن بسيط وصالح، تزعجك تلك التجاوزات/التصرفات التي ربما تأخذ شكل جملة نابية أو نظرة متعالية أو صوتا مرتفعا أو فعلا سمجا. ستقول لذاتك أننا كبلد كبير قطعنا أشواطا عظيمة في التنمية، خاصة في بناء المدن الأسمنتية ولكن لم يواكبه بناء الإنسان ثقافيا وأخلاقيا وإنسانيا مع الأسف رغم تنطع الكثير بأننا سادة العالم في الأخلاق وحراسة الفضيلة.. فتنزعج عندما ترى التطاول على بعض العمال الذين يعيشون معنا وبيننا ويساعدوننا في تعمير الوطن والحديث معهم بلهجة لا تخلو من السخرية والتحقير والتعالي! وتغضب عندما يقول جارك الشاب الذي لم يكمل سن العشرين بحضور والده لجارك الآخر الكهل المتقاعد وبلهجة حادة أثناء مشادة كلامية «أنا ابن الحسب والنسب وأنت لا شيء»، وتغضب أيضا عندما يحاول أن ينتقص منه بتذكيره بأنه يسكن في «شقفة» بيت، أي يسكن في بيت صغير (دوبلكس)! ولا تعجب عندما يتعامل (صاد) من الناس مع جمله «المزيون» بإنسانية مفرطة وكرم منقطع النظير يصل إلى حد الإسراف وفي الوقت ذاته يتعامل مع فلذة كبده بتقتير وجلافة وعدم احترام. وتغضب عندما تكون واقفا بالطابور تنتظر دورك ويتجاوزك أحدهم وكأنه لا يرى بشرا يحملون كثيرا من الهموم والأحلام وفي عجلة من أمرهم. ستردد مع (وولت وايتمان) «كأنما يؤذيني أن يعطى الآخرون الفرص والحقوق نفسها التي لي، كأنما لم يكن من الضروري لحقوقي الخاصة أن يكون للآخرين الحقوق نفسها».. وستقول دائما: أيها الناس كونوا أناسا! [email protected]