خرج من داره قاصدا شراء ما تحتاجه أسرته من الأطعمة. أبصر طفلا يقف وحيدا كاسف البال مكلوم النفس، اقترب منه فإذا هو ابن جاره الذي توفي من شهور، ناجاه بلطف متفقدا أحواله وأخذ بيده إلى متجر قريب واشترى له من الحلوى أجودها وطيب خاطره بحلو الأحاديث وحسن الإهداء وجميل التعطف. مضت سنون وأدخِل من أحسن إلى اليتيم المشفى، وفي إحدى الليالي إذ بشاب يدخل على المريض ويقبل يديه ويدعو له، وكان في كل يوم يزوره ويبالغ في خدمته حتى أنه كان يعينه في دخوله دورة المياه. سألت الممرضة هذا الشاب هل هذا أبوك لما رأت من حسن بره به فقال إنما هو جار قديم أحسن إلي يوم إذ وجدني مكلوم الفؤاد كسير النفس فتحنن على يتيم لا تربطه به قرابة وأخذ بيده ولاطفه وأتحفه بحلوى، والله إني مازلت أتذكر فرحتي بتلك الملاطفة وذاك الحنان وبهجتي بتلك الحلوى ولاأزال أتذكر حلاوتها. أحبتي الفضلاء كثيرا ما نسمع ونقرأ نصوص الكتاب والسنة الحاثة على الإحسان إلى اليتامى لكني أقف معكم على معنى في آيات من سورة الفجر قال سبحانه وتعالى: (كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين). وكانت الآيات قبل هاتين الآيتين تتحدث عن ضيق الرزق وسعته، وهذا كله يرشد إلى أن من أهم أسباب إكرام الله لعبده بأنواع التكريم ومنها سعة الرزق إكرام اليتيم وإطعام المسكين والتواصي بذلك. ثم إن للإحسان لليتيم والمسكين أجرا عاجلا يطالعه الإنسان في الدنيا قبل الأجر الآجل في الآخرة ويعيش أفراحه، والمسلم يصنع المعروف ويصرف قلبه عن الالتفات إلى الجزاء ممن أسدى إليه المعروف، ولعلك لاحظت في قصص كثير أن من ثواب من أخلص لله في صناعة المعروف والإحسان إلى اليتامى أن الكثير من أولئك اليتامى كانوا خيرا وبركة على من أحسن إليهم، فالنفوس مجبولة على الوفاء لمن أكرمها وغمرها بمعروفه. وليتذكر أنه مجزي على إحسانه حتى في ذريته بعد موته قال سبحانه وتعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا). فتأمل كيف أنه سبحانه أمرهم بالتقوى في القيام على اليتامى ليجزيهم بتقواه خير الجزاء في ذرياتهم بعد مماتهم.. متعنا الله وإياكم بالعافية وأنعم علينا بعفوه وتوفيقه. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينة.