«عُذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»، الحديث... «ورجلاً سقى كلباً يلهث من العطش، فشكر الله له، فغفر له»... الحديث. «نعم إنه حق الحياة»... فكيف بالإنسان المُكرم، وله منزلة خاصة بين مخلوقات الله عز وجل؟! يقول الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). وكيف بالطفل اليتيم الذي قد تُهضم حقوقه عند فقد أبيه أو أبويه ولا يجد من يطالب له بها؟! يقول الله تعالى: (كلاّ بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضُون على طعام المسكين)... فالمسكين حظه الإطعام ودفع حاجته، أما اليتيم فالإكرام، فإن كان غنياً فإنه يُكرم ليُتمه ولا يُطعم لغناه، وإن كان فقيراً فإنه يُكرم ليُتمه ويُطعم لفقره، ولكن أكثر الناس لا يبالون بهذا! فقد يدفعون اليتيم بعنف وشدة، ويعرض للتخويف والإهانة والطعن في العرض، والله تعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أُخرى)، (وأن ليس للإنسان إلا ماسعى * وأن سعيه سوف يُرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، فاليتيم حاضر الدمعة، مكسور القلب، ذو حس رقيق، واليتم مرحلة مريرة قد يمر بها أي إنسان، تحيل حياته الهادئة إلى أعاصير مدمرة، ولم يكن له ثمة اختيار، ولا ذنب في خروجه إلى هذه الحياة الدنيا، ولا ننس أن معظم العظماء والكبار هم من اليتامى، ويتجلى ذلك في سيد اليتامى: حسب اليتيم سعادة أن الذي / نشر الهدى في الناس عاش يتيماً «محمد صلى الله عليه وسلم». وقد حرم الإسلام كل عمل ينتقص من حق الحياة، سواء أكان ذلك العمل تخويفاً، أم إهانة، أم ضرباً، أم طعناً في العرض، إذ إنها نعمة وهبها الخالق جل وعلا لهذا الإنسان وأحاطها بأكبر سياج من الضمانات لحمايتها من أي عدوان، ولقد قرر الإسلام حقاً ثابتاً للإنسان وهو حقه في الحياة. يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة». يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في معنى «أحرج»: ألحق الحرج وهو الإثم، بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً. وكيف لا، وقدوتنا «صلى الله عليه وسلم» يقول: «ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم»، الضعفاء، سبب للنصر على الأعداء، وسبب للرزق وهطول الأمطار وصفاء الأجواء من الأتربة والغبار والعواصف الرملية. وأدعو إلى حفظ حق هؤلاء اليتيمات في الحياة، في الدور الخاصة برعايتهن، والمدارس الخاصة بالتربية والتعليم، وأوجه نداءً عاجلاً لوزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية، بالتعاون الجاد والمثمر لحفظ حقوق هؤلاء اليتيمات، والارتقاء بهن في سلم النجاح الدنيوي والأخروي، فالمجتمع المسلم مجتمع متكاتف متعاون. يقول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».