تختلف الظروف الاجتماعية والسياسية المحرضة على الثورة ، من بلد عربي إلى آخر، إلا أن الطغيان يظل هو السبب الرئيسي والمحرض المباشر، ويبرز ذلك السبب في الظاهرة (القذافية) .. التي حرمت إنسان ليبيا طوال عقود أربعة من أبسط مقومات الحياة، أضف إلى ذلك ما قام به النظام من محاربة كل فكر ، لا ينضح من كتابه الأخضر، فحجب الشمس عن العباد والبلاد ، حتى أصبحت ومضات النور لاتصلهم إلا من ثقب ملوث في خيمته. ليبيا الجديدة دولة المؤسسات، لن تنعم بالديمقراطية، إلا إذا تصدرت ثقافة بناء الإنسان أجندة اهتمامات القادة الجدد، وعليه لا بد من طمس معالم الظواهر القديمة التي آثرت تمجيد الأشخاص، ونبذت كل رأي لايصب في مصلحة السلطة الانفرادية .. ولمنظمات المجتمع المدني دور مهم في صياغة وتفعيل الصورة المشرقة لليبيا ، وثوارها الأحرار . ويبقى بلسم الثورات العربية هو المخاض الضروري لإزالة الأنظمة العقيمة، وبرعمة الأرض واخضرار ربيعها ، الذي ما يزال في بداية بزوغه، وحتى لا تصبح العملية الديمقراطية نفسها بما فيها الانتخابات لعبة في أيدي البعض وفخا لمواجهة الجماهير الغاضبة وتجريدها من مطالبها في نيل حريتها، واستقلالها وعزتها وكرامتها. تبرز هنا أهمية ميادين الحرية والتغيير في الوطن العربي، حتى لا يلتف على مسيرة الربيع من يقومون بنصب أفخاخ الخريف الديمقراطي على طريق الحرية. واليوم نرى في ليبيا الثورة مظاهر لم تكن مقبولة، وقد تؤدي إلى منزلق خطير أساسه أزمة ثقة في القيادة الحالية، تولدت من عدم شفافية المجلس الوطني الانتقالي في الخطوات التي يتخذها وتمس مباشرة بمصالح الشعب، وتسرب معلومات عن تجاوزات مالية يستفيد منها أشخاص نافذون محسبون على النظام السابق، إضافة إلى انتشار الشائعات حول قرارات مهمة اتخذت حيال ملفات تتعلق بالأمن والاقتصاد ، كما وأن تباطؤ العملية التنموية .. خلق نوعا من ضبابية المصير . الشعب الليبي خرج من عتمة عمرها 42 سنة، وعلاج هذه المشكلة يتطلب خطط إصلاح طويلة المدى، وقرارات مرحلية سريعة تعالج مناحي الحياة اليومية . لذلك لن تستقر الأوضاع حتى يعتمد المجلس الانتقالي مبدأ الشفافية والمصارحة، في التعامل مع الأوضاع الراهنة. وحاجة ليبيا اليوم إلى توحيد الصوت الإعلامي الرسمي حتى تختفي التصريحات المتناقضة، والتي تسبب البلبلة وتنشر الشائعات المغرضة في أ وساط المجتمع . والاعتصمات والمظاهرات المنتشرة هي جرس إنذار للتنبيه، من الأخطار التي قد تطلق الفوضى هنا وهناك. والخلاصة ليس هناك طابور خامس في ليبيا، كما يطلق البعض اتهاماته على الثائرين فالطابور الخامس أداة هدم وتخريب، ولكن تلك الحركات الغاضبة. التي تخرج بين الحين والآخر هي ضمير الشارع الليبي، الذي قاوم سطوة النظام السابق ويطالب بطرد فلوله .. تحت مطلب الخلاص من الديكتاتورية بحثا عن حياة كريمة . إذا هل يعي المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الليبية خطورة ذلك ؟! ويعلن خططه المستقبلية للتخلص من الألغام الموقوته ؟ أم ينتظر حتى تنفجر .