تتعدد أشكال الخروج من الوظيفة ، أو المنصب ، أو العمل .. سمه ما شئت بحسب طبيعته . قد يكون هذا الخروج طوعا أو كرها ، وهذه هي سنة الحياة العملية ولاشك . غير أن الخروج يعني عمليا انتهاء علاقة الشخص بدائرته وبيئة عمله التي اعتاد عليها لسنوات طويلة من حياته .. وتعود معها على نمط معين من الحياة التي انعكست شاء أو أبى على شخصيته وميزانية وقته ومناحي تفكيره واهتمامه وربما علاقاته الشخصية والاجتماعية والإنسانية . السنوات التي يقضيها أحدنا في دائرة عمله وبيئته تكسبه وتوجد علاقة عاطفية وارتباطا إنسانيا عجيبا .. حتى ولو بدا لبعض الوقت متضجرا ، ولكن الحقيقة الكامنة تنطوي على ذكريات معينة بعضها جميل وبعضها متعب وبعضها مبهج وبعضها حافل بالإنجاز والتحدي والشعور بسعادة النجاح وأحيانا أخرى بشيء من الإحباط وخيبة الأمل ، لذلك لاأعتقد أنه من السهل على الإنسان أن يطوي صفحة حياته العملية وينهي معها قصة ومرحلة طويلة من عمرة دون أن يترك هذه الخروج تأثيرا في نفسه ، خاصة وأن الإنسان بطبيعته يظل في ارتباط وجداني عجيب مع ذكرياته وماضية شاء ذلك أم أبى . صحيح أن البعض منا قد يستطيع ترتيب أموره لمثل هذه المرحلة خاصة عندما يكون استعد لها بشكل مخطط وسليم . وهناك البعض من الموظفين أو العاملين سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ينتظر في آخر عمره الوظيفي مرحلة التقاعد بفارغ الصبر ليستطيع أن يستمتع ببداية مرحلة جديدة تماما من حياته . وصحيح أن العصر تغير وأصبحت الأمور تحسب بطريقة مختلفة ولها موازين ومعايير مختلفة ومتجددة في زمن الاحتراف وزمن أصبح فيه الولاء للذات أولا وبالتالي تغيرات قيم المصالح والنظرة لها سواء من طرف جهة العمل أو العامل ( الموظف ). ولكن ما قصدته عندما تحدثت عن صعوبة الخروج من العمل هو الخروج من دائرة القيادة ، لمن اعتاد أن يكون قائدا في جهازه على استحقاق .. بني وأعلى الصرح الذي يتربع سنامه و صارع وتحدى وضحى وبذل وأعطى وتفانى بشكل مذهل وتناسى نفسه والتفكير فيها وحقق الإنجازات والنجاحات التي يحتفي بها و يفخر بها كل العاملين معه مهما اختلفوا معه . مثل هذا الإنسان ليس من السهل عليه أن يطوي صفحات حياته العملية وينهي القصة ، لأنه لم يكن متفرجا ولم يكن هامشيا أو تابعا وإنما كان على الدوام هو الفاعل والصانع والمحرك .. كان هو القائد بطبيعته و إمكاناتة وقدراته وتفكيره وموارده ... القيادة لدية شيء فطري وليس مكتسبا دائما كان هو المحور والمحرك فمثل هذا الإنسان مؤلم جدا أن يعيش على الهامش أو خارج الميدان. إذا كان البعض يحلو له التغني بذكرياته ويتسلى بها إلا أن مثل هذا الإنسان تكون الذكريات والنجاحات التي حققها و أتعب من بعده بها تكون كالسم القاتل الذي يتجرعه شيئا فشيئا ليصيبه بالموت البطيء والمضجر. محمد عبدالعزيز الخالدي