على المشير محمد حسين طنطاوي أن يضع عصا المشيرية جانبا ويتناسى قليلا كل الحروب التي خاضها من قبل؛ وذلك لأن حربه التي تدور رحاها في ميدان التحرير لا تشبه أي حرب سبق له أن خاضها، وإذا كان الهدف المشترك على كافة الجبهات يتمثل في حماية الشعب المصري من أعدائه فحربه الراهنة يمكن اختصارها في أن عليه أن يحمي الشعب المصري من الشعب المصري نفسه المجلس العسكري عليه هو كذلك ألا يكون عسكريا ما دام ينهض بالدور السياسي المتمثل في إدارة الشؤون الداخلية لمصر، وهو دور لا يقل خطرا وصعوبة عن دور إدارة معركة على الحدود، فعلى الحدود يظل العدو واحدا وإن تعددت جبهاته؛ أما في الداخل فإن المعركة هي معركة إدارة قوى بشرية ترى كل واحدة منها أنها هي القادرة على أن تقود مصر إلى بر الأمان، بينما يضرب الخلاف أطنابه بين القوى ويرى كل فريق أن كل فريق سواه سوف يحمل مصر إلى الهاوية. •• والمسافة بين الثورة والمجلس العسكري تضيق حينا وتتسع حينا آخر، والعسكر الذين وقفوا مع الشعب المصري حين بدأت الثورة تأخذ صورة الضحية حتى اعتبروا من جملة الثوار هو نفس المجلس العسكري الذي تتهمه أطراف من الثوار بمصادرة الثورة. مشيرين إلى أن المشير وافق على إسقاط الرئيس حسني مبارك لكي ينقذ النظام، ويبقى العسكر هم سادة النيل كما هم منذ قيام ثورة 1952 يتقلبون في الأسماء بين جمال والسادات ومبارك وطنطاوي. •• بين المجلس العسكري والشعب سواء كان ممثلا في الشارع أو في الأحزاب حساب نوايا يمحو ضبابه ما تم إنجازه، ويعزز شكوكه ما ظل معلقا على قائمة الوعود، وبين ما تحقق للثورة وما لم يتحقق حسابات ربح وخسارة كفيلة أن تخرج الشارع المصري كله في لحظة غضب عن طوره، وتمحو هدوءا حذرا ظلت مصر تعيشه منذ عام . •• جمعة الأمس لم تكن جمعة للشعب المصري في اتحاده، بقدر ما كانت جمعة مصر، حيت تنقسم على نفسها الأحزاب حين تتخوف من الأحزاب، والمخلصون حين يرمق كل واحد منهم الواقف إلى جواره ويتساءل: هل هو مناضل أم مندس؟ مناضل أم منشق عن النضال؟ ثم يردد: بيننا خائن يا رفيق..أنا أم أنت؟ فلنفترق قبل بدء الطريق •• جمعة الأمس تداخلت فيها الأطراف تتوحد حينا وتتنافر حينا وظل المجلس العسكري طرفا غير قابل للاتحاد مع سواه، وغير قابل للانقسام على نفسه يحمي الأطراف المتنازعة من أن يطغى بعضها على بعض، ويحمي نفسه من أن يطغى عليه أحد يمسك بيد طرف الكرسي الذي يجلس عليه جنرالات الجيش، ويمسك باليد الأخرى أمن مصر، وحين ترتفع الأصوات تطالبه بالتنحي يقلب جنرالات الجيش أعينهم متسائلين : نتنحى لمن في هذه الظروف؟ •• ومصر تدخل حلقة مفرغة تدور على نفسها بين برلمان تم انتخابه، ودستور لا يزال في فترة المخاض وجماعات سياسية ضاغطة ودم ثوار لا يزال يغري بمزيد من الدم وشارع يعرف فيه كل واحد ما يريد ولا يكاد واحد فيه يعرف ما يريده الآخرون. •• المجلس العسكري أعلن التزامه بإجراء انتخابات الغرفة الثانية في البرلمان في موعدها، ورفض فتح الباب لأي تشكيك في الغرفة الأولى والتي ترى مصر أنها جاءت ممثلة لإرادتها من ناحية، ويرى المجلس العسكري أن إنجازها جاء عربون ثقة بينه وبين الثورة ومصر من ناحية ثانية. وبين بوابة الغرفة الثانية المواربة، وباب الغرفة الأولى المشرع على وعود تحقيق ما تطالب به الثورة يقف المجلس العسكري ضمنا للوعود في زمن أصبحت فيه الوعود مصدر شك على الرغم من أن فجرها كان صادقا فيما تم تحقيقه حتى الآن. في مصر تهتز شرعية المؤسسات جميعها : المجلس العسكري والأحزاب والقيادات السياسية والشارع ولا يبقى صامدا حتى الآن سوى شرعية الثورة وميدان التحرير غير أنها شرعية مفرغة من مضمونها حين تبدو في جوهرها ثورة على الدولة، وأمن مصر في كثير من الجوانب المظلمة من ثورة التغيير.