لم يكن تعيين الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعيدا عن الإصلاح الذي تعيشه بلادنا، والتحديات المفصلية الاجتماعية التي يتحتم على الهيئة أن تحيط بها في هذه المرحلة التي تستعد فيها بلادنا دولة ومجتمعا ومواطنين مواكبتها لتحقيق هدفين رئيسيين هما الأمن الاجتماعي ورفاه المواطن، تحت مظلة الشريعة التي يحتكم لها دستور المملكة. بل يجيء في سياق متصل فكريا واجتماعيا بكل هذا. فالدكتور آل الشيخ عندما يتبوأ هذا المنصب ويتحمل هذه المسؤولية فإنه ينطلق من خبرة شرعية وأكاديمية وإدارية ومن تماس مباشر مع هيئة كبار العلماء، باعتباره أمينا ثانيا لها، والمتأمل لمواقف الدكتور آل الشيخ يجد أنها تنضوي جميعا تحت مظلة الفكر الإسلامي المستنير والفقه الإسلامي المستوعب لمتغيرات الزمان والمكان، في قوام إسلامي صحيح لايتعارض مع إجماع أهل السنة والجماعة. وعندما بدأت أسئلة المجتمع وسياقاته الفكرية تطرح على طاولة الحوار ما اعتبر أنه مستجدات مستحدثة مثل مفهوم الاختلاط، وممارسة المرأة البيع في محلات المستلزمات النسائية، وزواج القاصرات، لم يقف الدكتور آل الشيخ صامتا بل انبرى متداخلا ببحث علمي يستمد أصوله من رؤية شرعية ومن منطلق فقهي صحيح ومبينا ما تأصل عند أغلب علماء الأمة من فتاوى في هذه المواضيع، وأكد على أن التشدد في موضوع الاختلاط غير مبرر، وأنه جائز ضمن ضوابط محددة قائلا «لايخفى على أحد من المسلمين في بلادنا حال الناس وما يمارس في الواقع من اختلاط في الأسواق والأماكن العامة ودور العبادة كالحرم المكي والحرم المدني وما يحصل في موسم الحج وما يحصل في مجالس القضاء وغير ذلك من التجمعات البشرية، فهذا الاختلاط الذي فرضته الحاجة والضرورة وهذه الممارسات ليست وليدة اليوم أو هذا الزمان، فقد كانت موجودة منذ أزمنة قديمة، بل كانت موجودة في صدر الإسلام والذي لايعلم ذلك فعليه الاطلاع على كتب السيرة والمغازي وبعض كتب الفقه والتفسير». أما بشأن عمل المرأة في محلات المستلزمات النسائية فكان واضحا حيث قال «رأيي في هذه المسألة أن قيام المرأة المحتشمة والملتزمة بالضوابط الشرعية بالبيع في المحلات المخصصة للمستلزمات النسائية من ملابس داخلية وخارجية وأقمشة وأدوات زينة وحلي وما يخص الأطفال جائز بل مستحب لما يفضي إليه من مصلحة ظاهرة للمرأة البائعة والمشترية». وعندما أثير موضوع زواج القاصرات وطرحت حوله العديد من الآراء بين الدكتور آل الشيخ موقفه بدقة وقال «يجوز لولي الأمر أن يقيد المباح وأن يضع الشروط والضوابط له من منظور المصالح المرسلة حفاظا على مصالح رعيته التي ولاه الله إياها، لذلك يجوز لولي الأمر أو من ينيبه أن يقيد المباح عندما يرى أن المصلحة في تقييده ومن ذلك تحديد سن الزواج للقاصرات ومن المصلحة المرسلة تحديد السن وهذا من الشرع كما قال ابن القيم رحمه الله: حيث ما كانت المصلحة فثم شرع الله». ولهذا فإن كل السياقات السابقة تنبئ عن رؤية علمية مستنيرة سوف تتبناها الهيئة لكي تحقق الهدف والغاية والمسؤولية المناطة بها، في تحقيق الأمن الاجتماعي بدون أن تقع في مفاصل تكون معوقة للمهام الرئيسية المناطة بها، وهذه مسؤولية كبيرة يسعى رئيسها الجديد الدكتور عبداللطيف آل الشيخ إلى النهوض بها بعد الثقة الكبيرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتعيينه رئيسا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويبقى بعد ذلك أن يعين منسوبوا الهيئة رئيسها الجديد على أداء هذه المهمة وتحقيق المزيد من التكامل بين الهيئة والمجتمع.