معذرة هشام لم أستطع الكتابة، فالخطب أكبر والمصيبة عظيمة، آه أيها الحبيب، بالأمس جئتني خاطبا فلذة كبدي «العنود»، التقيت بك لأول مرة ورأيت السماحة والحياء، وكأي أب جعلت أسأل عنك فلم أسمع إلا كل ثناء، وبعدما عاشرتك وعرفتك عن قرب وجدتهم ما أنصفوك بل أنت أكبر مما قالوا والله، مرت ثمانية أعوام أيها الحبيب وكأنها لحظة، أشهد أني رأيت فيك نعم الأخ والابن والصديق، لم نسمع منك كلمة نابية، ولم نر منك إلا الابتسامة الصادقة التي عرفك الناس بها فأحبوك. آه أيها الحبيب لو رأيت أعداد من شيعوك إلى مثواك، ظننت أن من بكى عليك أنا وأهلك وإخوتك، لكن الكل بكى فقدك، حتى العمال الذين كانوا في رئاسة شؤون الحرمين حيث تعمل، فضلا عن رؤسائك. غادرتنا أيها الحبيب هشام بن محمد العنقري صبيحة يوم الأحد 24 من شوال، وأنا وإخوتك أمامك وزوجتك بجانبك، وكنتُ أشدهم أسى ولوعة، فقدتك أخا وابنا، وكذلك زوجا لابنتي التي تحولت إلى أرملة رجل استثنائي قل أن يجود الزمان بمثله. أتذكر وأنا بجانبك أيام عيد الفطر -ووجهك وضاء وثغرك باسم- وكان الألم يعتصرك تقول:» أنا لا أخاف من الموت على بناتي وأمهم مادمت موجودا أنت.. فهم أمانة عندك»، عندها تجمد كل شيء في جسمي ولم أستطع حتى المسير. أطرقت وهطلت دموعي، وزاد الأمر غصة في قلبي، لم أستطع حينها أن أواسيك لأنني أريد من يواسيني في تلك اللحظة، وحينما رفعت رأسي فإذا ابتسامتك المعهودة وتقول:»الحمد لله على كل حال»، الله يا لهذا الحزن كم يقتل الإنسان أكثر من مرة، كم تحدثنا في المستقبل وفي الحاضر وأنت على السرير الأبيض، وكأنني أنا المريض وليس أنت، لله درك من مؤمن بالقضاء والقدر. وهنا مثلت أمامي هذه الأبيات للشاعر الكبير المرحوم - بإذن الله -غازي القصيبي في رثاء الملك خالد رحمه الله وكأنها تتحدث بما أحس أنا به تجاهك يقول: يبكون منك وقد ناحوا على ملك أما أنا فبكائي حرقة الولد يطوف وجهك في روحي فأسأله بالله قل لي أهذي فرقة الأبد فأين نظرته بالحب طافحة كأنما هي بشرى ثّرة الرغد وأين بسمته الحسناء؟ هل سقطت شمس النهار على ليل من الكمد فقل لمن يعشق الدنيا أتخطبها وهي الولود وغير الموت لم تلد أعاهدك أيها الحاضر في قلبي -مادمت حيا- أن أكون لابنتيك أبا حانيا، وأسأل الله تعالى أن يعينني على تربيتهما. لكن اعذرني لا أستطيع أن أعوضهما عنك؛ لأن مثلك يجب أن يكون مثلهم الأعلى. أشكرك إذ أهديتني هاتين الغاليتين، أسماء وغدير، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتغمدك برحمته، ويسكنك فسيح جناته ويجمعنا بك في الفردوس الأعلى ومن تحب. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون» وداعا هذه الدنيا الفانية وإلى لقاء في الآخرة الباقية «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي». صلاح الدين عبدالعزيز آل الشيخ