لم يعد غريبا أن نقرأ أو نسمع عن حصول .... على درجة الدكتوراه في الفلسفة أو الأدب الانجليزي وهو لايتقن اللغة الانجليزية بعد أن أصبحت عملية الحصول على الدكتوراه أسهل من بناء مسكن خاص أو استئجار شقة سكنية وأصبح حامل الكفاءة المتوسطة أو حتى الابتدائية يضع حرف الدال في مقدمة اسمه دون أن يعرف معناها أو دلالتها . ومثل هذه الأمور وان ارتفعت معدلاتها بشكل يدعو للشك في من حصلوا عليها بجد واجتهاد تدعونا لمطالبة وزارة التعليم العالي بنشر إعلان واحد يحمل أسماء بعض من حصلوا عليها والمطالبة بعدم التعامل لأنهم خادعون . وبعيداً عن الشهادات المزورة أو المغشوشة نقف اليوم أمام ظاهرة أخرى تمثلت فيما بتنا نقرأه ببعض صحفنا المحلية من أخبار وتحقيقات معتمدة على أسلوب الفبركة الصحفية التي تحول تاجر الخضار إلى خبير في سوق البترول وآخر خبير في مجال التجارة عبر الانترنت وقد يصبح بين عشية وضحاها خبيرا في مجال الاتصال الفضائي أيضا . ومثل هذه الأخبار يعرفها المجتمع الصحفي بالأخبار المدفوعة الثمن الهدف منها تحويل تلك الشخصية إلى واحدة من أبرز الشخصيات ليقال إن سعادة ........ من كبار المثقفين ! فهل المال يصنع الثقافة ؟ “ يبين ابن منظور في لسان العرب أن معنى ثَقَفَ: جدّد وسوّى، ويربط بين التثقيف والحذق وسرعة التعليم. ويعرف المعجم الوسيط الثقافة بأنها (العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق) “ . ويعرف تايلور: “ الثقافة هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع “ . ويعريف كوينسي رابت الثقافة بأنها “ النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب، يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية “ فيما يعرف مالينوفسكي الثقافة بأنها “ جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل، وضع يواكب المشاكل والطروح الخاصة التي تواجه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الأساسية “ . وهناك تعريفات أخرى مثل “ أن الثقافة هي الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجرى حياتها، أي هي المواجهة المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة “ . ومن هنا يتضح أن “ الثقافة والمثقف كلمتان غائمتا(غائما) المفهوم، غامضتا الدلالة، واسعتا النطاق، يصعب أن يحويهما تعريف أو يحدهما مصطلح، وذلك لتعذر الموقف على معناهما الدقيق، ولقد أثارتا كثيراً من التساؤلات، وتعددت الإجابات وتباينت حول مفهوميهما(مفهومهما)”. وعلى ضوء ذلك يمكن القول “ إن كلمة المثقف والثقافة حديثة العهد، أي لم تكن متداولة، وهي كلمة غريبة على اللغة العربية، ومعانيها تختلف حسب مضمونها. والمثقف هو ليس المتخصص، وهو ليس الخبير، ويمكن القول بأن هناك مثقفاً شاملاً ومتكاملاً لحد ما، ومثقف متعدد المواهب، ومثقف منحصر في بعض العلوم. ومنهم من يعرف المثقف على أساس العارف بجميع العلوم...أو على الأقل بشيء من مجمل ما هو متداول ومعروف...أو يراد معرفته. لكنني سوف أدلو بتصوري فيما بعد بدقة أكثر. وأحاول إيجاد تفسير لمسألة هل يمكن إطلاق مصطلح المثقف على كل من حمل نوعاً أو بضع أنواع من العلوم والمعرفة. أم أن المصطلح وسام لا يرفعه إلا أشخاص قلائل لديهم إمكانيات العبقري والفيلسوف المجتهد في علوم زمانه، وله معرفة بتاريخ يخص شعبه؟. وهل هناك شخص لديه الإمكانية لفهم واستيعاب جميع العلوم وإدراك مفاصلها وله نظرته الخاصة في كل صغيرة وكبيرة؟...هل نريد تخويف الساعين للثقافة والإدراك أن يتجنبوا الخوض في غمار العلوم لأنهم لم ينالوا وسام المثقف؟. أم أن الحلم هو دفع الأكثرية للتطلع وزيادة المعلومات لتعم الفائدة... “ وبعد هذه التعريفات هل يعتبر مفبركو الأخبار أنهم قد صنعوا نفرا من المثقفين ؟. أم أن من نراهم مسقفين بغطاء يقيهم شر الجهل عبر كلمات لايفهمون معانيها أو دلالاتها ؟.