كثيرة هي الحكايات والأساطير التي تدور حول جبل (حرفة) الواقع في مركز بني عمرو التابع لمحافظة النماص شمال منطقة عسير، وجعلت منه مارداً يزرع الرعب والخوف في قلب كل من يحاول الاقتراب من حافته خاصة أثناء الليل، حيث تصدر أصوات الطبول والرقص وفق عدد من سكان القرى المجاورة للجبل المرعب، وهي قصص وحكايات يجزم الأهالي سماعها، فيما يتحفظ البعض عن تصديق مثل هذه التأويلات ويعدها من نسج الخيال الواسع، ويتكون جبل حرفة من صخرة صماء تحيط بها الغابات من جميع الاتجاهات، ويجاوره من الجهة الغربية الشمالية جبل صخري أصغر حجما يسمى الثدي، لتكوينه المقارب للثدي، فيما يوجد في الجهة الشمالية باب «حرفة»، والمعروف عند أهالي المنطقة بهذا الاسم، ومنحوت في نفس الجبل، علماً أن الشكل الغريب والارتفاع العالي الوعر للجبل قد أضفى مزيدا من الغموض وساعد على نسج المزيد من قصص الخيال المرعبة حوله. احتفاء مفاجئ وروى ل«عكاظ» المواطنون والشاعر مرضي العمري من قرية بني رافع الملاصقة للجبل قصة أشبه بالخيال حدثت له أثناء عودته لمنزله في وقت متأخر في إحدى الليالي قبل أكثر من 15 عاما، ويضيف بالقول: كنت مدعوا إلى مناسبة اجتماعية، وأثناء العودة إلى منزلي في وقت متأخر من الليل، شاهدت على قارعة الطريق أربعة أشخاص من الجنسية التركية، وبسؤالي لهم عن سبب وجودهم في مثل هذا المكان في آخر الليل، أخبروني بأن اثنين من أصدقائهم صعدوا إلى قمة جبل حرفة في العاشرة مساء ذلك اليوم تقريباً، ولم يعودا حتى هذا الوقت، حيث كان الوقت قرب الفجر، وزاد العمري: طلب مني الأشخاص الأربعة الصعود برفقتهم إلى الجبل للبحث عن أصدقائهم المفقودين، فصعدت معهم إلى الجبل وبعد قطع مسافة طلوعاً إلى الأعلى وجدنا رفيقهم الأول متشبث اليدين بصخرة صماء والدماء تنزف من يديه، فقمت بقراءة آية الكرسي والمعوذات عليه فتحررت يداه من الصخرة، إلا أننا لم نجد رفيقه الآخر حينها ذهبت إلى مركز الشرطة وفتحت بلاغا بالواقعة، وتمت إحاطة الدفاع المدني الذين باشروا الموقع، حيث وجدنا التركي المفقود والدماء تنزف من يديه، فيما تحول زجاج السيارة التي كانوا يستقلونها إلى قطع متناثرة، وعلمنا من رفاقه أنه هوى عليهم من جبل حرفة بسرعة البرق واصطدم بزجاج السيارة، ما جعلهم يعيشون في لحظات رعب لم يشاهدوها من قبل. وهي الواقعة التي أكدها أحد الرقاة الشرعيين في بني عمرو، والذي أوضح بأن الأتراك الأربعة حضروا إليه وطلبوا منه القراءة على أحدهم وكان مصابا بمس من الجن وهو ما يؤكد الواقعة التي رواها الشاعر مرضي العمري ونسجت خيوطها قبل أكثر من 15 عاماً. خوف دائم من جهته، روى ل«عكاظ» سعيد عوض العمري الذي يجاور مسكنه جبل حرفة المرعب، بأن قريباً له توجه إلى غابات الجبل المرعب لصيد الطيور قبل ثلاثة أعوام تقريبا ويضيف: شاهد قريبي طائراً يقف على إحدى الصخور وحينما هم بتصويب بندقيته لصيده سمع صوتا غريبا تلاه انتزاع البندقية من يديه وكسرها على الفور لتتحول إلى قطعتين، حينها أصيب قريبي بحالة من الهلع والخوف ومكث يعاني من آثار تلك الواقعة وقتا ليس بالقصير. ويؤكد عدد من سكان القرى المجاورة للجبل المرعب سماع أصوات الطبول والرقص، وهي قصص وحكايات يجزمون بسماعها من وقت وآخر ومصدرها الجبل الغامض، ولكن هناك من لا يصدق مثل هذه التأويلات ويعتبرها من نسج الخيال، وبعيدة كل البعد عن الواقع. من جهته، يروي محمد العمري والذي يسكن بجوار الجبل، قصة أخرى تؤكد غموض جبل حرفة وعلاقته بالجن والأساطير، وهي قصة فتاة قصدت إحدى الآبار القريبة من الجبل لجلب المياه، وأثناء دنوها من البئر شاهدت خاتما يدور في الماء، وعند محاولتها الإمساك به فإذا بجني يسحبها إلى داخل البئر، ويضيف: اختفت الفتاة ولم يعثر لها على أثر، وبعد مرور عدة أيام من اختفائها تفاجأ والدها أثناء وجوده في منزله بثعبان كبير يعكر خلوته، وعندما هم الرجل بقتله إذا هو يتكلم، ويخبره بأنه جني من جبل حرفة، وأن ابنته المختفية موجودة لديه، وأنه تزوجها، مبدياً استعداده لتلبية طلبات والد الفتاة في سبيل الاحتفاظ بها. أساطير قديمة إلى ذلك، ذكر الدكتور صالح أبو عراد مؤرخ سعودي أن جبل حرفة الواقع في مركز بني عمرو يعد من المعالم المعروفة في النماص، وشهد الكثير من الحروب قديما، مبيناً تواتر الكثير من الأقاويل والأساطير لكبار السن وزوار هذا الجبل، ومنها أن القبيلة التي تريد النصر على قبيلة أخرى عليها استدراجها إلى هذا الجبل والقضاء عليها، وزاد أبوعراد بالقول: «من الأقاويل الأخرى الشائعة عن هذا الجبل، أن من أراد أن يصبح شاعرا فعليه النوم في هذا الجبل للاتصال بالجن لتلقينه الشعر»، واختتم حديثه بالقول: «بات الجبل أسطورة ومصدر خوف ورهبة لكل من يقصده أو يحاول الاقتراب منه، علماً أن شكله الغريب جعله معلماً بارزاً في منطقة عسير».