تصنع الأيام أمجادا للبشر، ولكن يبقى الأصل في النشأة كبداية للطموح والسعي إلى بناء الذات، ومع هذا تبقى ذكريات الطفولة عالقة في الأذهان لا يمحو نتوءها أو نقوشها الزمن ولا وهن الذاكرة التي أعياها الدهر.. «عكاظ» تلقي الضوء على نشأة ومشوار نجاح شخصية طالما أثارت جدلا وسط الأدباء والمفكرين بعروبتها وسعيها ومثابرتها وإيمانها بأن لكل طريق بداية، وللاستمرار خط يجب أن يكون مرسوما وفق أطر واضحة، إنه الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام وهذه وقفة مع أهم المحطات : • من هو ناصر الحجيلان الطفل، وأين نشأ وترعرع؟. تعود جذوري إلى قرية المستجدة، جنوبي منطقة حائل، وقضيت طفولتي مع أخوالي في الغزالة حيث درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة فيها، وكنا نعيش في السابق حياة بدائية في بيت طيني وسط مزرعة بلا كهرباء ولا أي من الوسائل الحديثة، كانت الطبيعة هي التي التصقت بنا منذ الصغر، وكنا نشرب الماء من القربة وفي مرحلة أخيرة حينما انتقلنا إلى البيوت الأسمنتية الشعبية أصبحنا نشرب ماء «الأزيار» الفخارية التي تحتفظ بالماء باردا، عقبها دخلنا مرحلة الكهرباء التي كان يوفرها بعض المواطنين عبر تأمين المولدات وتغذية المساكن ولساعات محدودة، وبعدها دخلنا إلى مرحلة الكهرباء العمومية وأعتقد أنها كانت في وقت متأخر من طفولتي. • تقول إنك نشأت في الريف وأحببته، فما مدى حبك للطبيعة في ظل شبه انعدامها في المدن؟. لا أزال ملتصقا بالطبيعة وأحبها، وأذكر أن أول مرة عدت من أمريكا بعد سنوات طويلة من الغياب، اصطحبني شقيقي إلى منطقة بعيدة عن الرياض اسمها روضة «خريم»، وهي منطقة ربيعية كلها زهور، عندها نشطت الذاكرة وعادت إلى ما مضى من زمن بعيد تماما، لأشتم نفس الرائحة التي كنت أشمها في طفولتي وهي رائحة الخزامى وأزهار الربيع. • هل كان في قريتكم وقتها مستشفى أو مرافق صحية؟. في الحقيقة، لم يكن في القرية آنذاك أي مستشفى أو خلافه، وكان الناس حينها عند المرض يلجأون إلى التداوي بالعلاج الشعبي، وكانت جدتي لأمي، رحمها الله، طبيبة شعبية تداوي المرضى بالطريقة البدائية كالكي، وأيضا كانت هناك امرأة رائعة اسمها «مليحة»، كانت تحتفظ، رحمها الله، بحقن أنسولين، وكانت ترعى أطفال القرية، ومن أفضالها أنها أنقذت حياتي وحياة كثيرين غيري كانوا في وقت ما على شفا الموت، وأنا أذكرها جيدا، حيث كنت طفلا صغيرا وكان جسمي نحيلا وضعيفا وعرضة للمرض، وكانت هذه الطبيبة الشعبية «مليحة» تساعد الجميع ولا تتأخر في تقديم العون، تعمل ذلك كله دون مقابل رغم أنها تشتري هذه الأدوية.. لقد أثبتت حقا أنها امرأة نبيلة وعملها كان نوعا من التكاتف والحب الإنساني. • كيف كان مشوارك العلمي وأيضا وتيرته التصاعدية؟. بعد المرحلة المتوسطة، انتقلت للعيش في مدينة حائل، وفيها درست الثانوية، ونظرا لقصر المدة لم تربطني فيها علاقات قوية بالحارة والناس، وكنا وقتها أشبه ما نكون بناس ناضجين رغم صغر العمر، لهذا فإن كل ما أتذكره في تلك المرحلة أننا كنا نكرس جل وقتنا للدراسة، ومن ثم انتقلت إلى مدينة الرياض لدراسة الجامعة ولم نعد إلى حائل. • الدكتور ناصر الحجيلان من مواليد عام ...؟. لا أعلم على وجه الدقة واليقين متى ولدت بالتحديد في اليوم والشهر، أعرف فقط السنة المقدرة حسب التسنين أنها كانت في عام 1390ه، وهذا الأمر معمول به في السابق لمن لم يعرف تاريخ ميلاده بالضبط، وأنا واحد من هؤلاء. • كيف ترى نفسك ضمن ما يدور في خواطرك من روابط عاطفية وهل تختزن بعضها؟ علاقتي مع الأشخاص والأمكنة والأحداث قوية، فهناك صور لشخصيات حاضرة في ذهني وكياني مهما بعدت بي الأيام، ومن هذه الصور جدتي لأمي، وصور كثيرة استفدت منها في حياتي، لأن التصاقي بجدتي كان في مرحلة حساسة من العمر، وكذلك جدي لأمي، فقد كان شاعرا، رقيق الإحساس، يلقي الشعر بطلاقة، فلهذا كان هناك نوع من المعادلة بالنسبة لنا كأطفال، فقد كان جدي زايد الفهد، رحمه الله، مثالا للرجل الفارس الكريم النبيل ونموذجا للرجل الحكيم المتوازن، فبحكم كبر سنه ودرايته وحكمته ومكانته بين قومه فقد كانوا يأتون إليه دائما لأخذ مشورته والاستهداء برأيه. وأيضا هناك شخصية ثالثة تأثرت بها وهو خالي عبدالكريم الزايد لأنه كان رجلا جادا حازما، وكان معلما في القرية، له هيبته ومكانته، وكان يمتاز، رحمه الله، بالإخلاص والصدق وقوة الإرادة والإصرار، إلى جانب شخصيات أخرى في المدرسة من معلمين وزملاء ومدير المدرسة، وحتى الحارس الذي كان في المدرسة. • علمنا بقصة عدم قبولك بالجامعة، هل هذا صحيح وإلى أين وصلت بدراستك؟. بعد التخرج من الثانوية قررنا أنا وأخي خالد أن نكمل دراستنا الجامعية في الرياض، فتم تحويلنا إلى الطب ونحن لم نكن نرغب بذلك، والطريف في الحادثة أننا حين طلبنا من إدارة القبول أن ندرس اللغة العربية رفضوا لأن درجاتنا تؤهلنا لدراسة الطب، ولكن بإصرارنا على دراسة اللغة العربية نجحنا في ذلك، ثم بعد ذلك ذهبت إلى أمريكا ونلت الماجستير والدكتوراة في «الشخصية في القصص العربية»، والدكتوراة في النقد الثقافي، وقمت بالتدريس في جامعات أمريكية، ثم عدت إلى الرياض وعملت في جامعة الملك سعود، قبل انتقالي إلى منصبي الحالي، ولم أحلم بهذا المنصب وأنا شغوف بالتدريس.