ابن جازان الذي ولد فيها، وتشرب من معين مدارسها التي لا تنضب حسب رؤيته لها، فقد عرف أبجديات القراءة والكتابة من هذه المدينة الساحلية، التي عرفت بكثرة المبدعين وفي الوقت ذاته بالقضاة الذين تولعوا بالعلم الشرعي.. هكذا كانت جازان مدينة ترفد للساحة الثقافية ألمع النجوم في الشعر والأدب والإعلام ، وترفد ساحات القضاء بقضاة تعلقوا بالدرس الشرعي والقضائي.. من هذه البيئة قدم معالي الدكتور مدني بن عبدالقادر علاقي، حيث غادر مدينته الحالمة المطلة على البحر باتجاه قبلة المسلمين.. وأحب الديار إلى الله مكةالمكرمة ، لمواصلة دراسته «المتوسطة والثانوية». لم تكن حياة الدكتور مدني علاقي مختلفة عن أقرانه من جيله في محافظة «صبيا» أو مدينته الأولى «جازان» فقد عاش طفولته بين الجبل والبحر، وهو ابن من الزوجة الثالثة للعم عبدالقادر علاقي صاحب الصالون الأدبي آنذاك الذي يحضره نخبة من أدباء ومفكري جازان في تلك الحقبة التاريخية، اليوم يتذكر الدكتور مدني علاقي شريط ذكرياته متكاملا رحلة العمر، متى تلقى أوائل تعليمه «بدأ» من مدرسته الابتدائية من جازان مرورا بالمراحل المتوسطة والثانوية في مكة..وكيف واجه لأول مرة المجتمع المدني الواسع بقرب البيت العتيق..بيت الله الحرام.. مجموعة من المواقف والمشاهد يتذكرها معالي الدكتور مدني علاقي عضو مجلس الوزراء ووزير الدولة سابقا. * نريد الحديث عن البدايات الأولى لحياة ونشأة الدكتور مدني علاقي؟ ولدت في مدينة صغيرة في منطقة جازان تسمى صبيا، وتبعد عن جازان المدينة حوالى 25 كيلو مترًا، حيث كان والدتي وأخوالي هناك، ولم يكن للوالد في ذلك الوقت منزل خاص بالعروسة الجديدة – التي هي أمي الزوجة الثالثة لأبي - إذ كان متزوجًا قبلها من اثنتين، ويبدو أن أخوالي اشترطوا عليه أن يهيئ لها منزلاً، واستغرق ذلك وقتًا طويلاً. بعد خمس سنوات من طفولتي في صبيا، انتقلت إلى جازان، وهناك بدأ مشوار الحياة الدراسية الأولى بالحصول على الشهادة الابتدائية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مكةالمكرمة لبدء مشوار دراسة جديد في المتوسطة والثانوية فيما بعد. في ضيافة البحر * حدثنا عن مدرستك الابتدائية في جازان وماذا ظل في ذاكرتك منها؟ كانت المدرسة الوحيدة في جازان المدينة، وكانت جميلة جدًّا، وتقع على ساحل البحر مباشرة. وأتذكر أنه في الحصة الخامسة حينما يحين موعد صلاة الظهر كنا نتوضأ من البحر مباشرة ونصلي الظهر جماعة في المدرسة. كانت المدرسة عبارة عن مبنى مربع داخله بهو واسع، وفي الجوانب الأربعة توجد الفصول ومباني الإدارة، حول المدرسة من الجهة الغربية البحر ومن الجهة الشرقية توجد سلسلة من الجبال. في فترة الفسحة وقبل الحصة الأولى كنا نلعب على البحر أو الرمال مع حافة الجبل. في بعض الأحيان كنا نتسلق الجبال ثم نعود إلى المدرسة. أساتذة نادرون * كيف كانت علاقتك بالأساتذة فيها؟ الأساتذة كان لهم الفضل الكبير علينا، وأعتقد أن الزمان لن يجود بمثل أساتذتنا في الزمان الماضي سواء كان في جازان أو في أي مدينة أخرى من مدن المملكة. كان أستاذنا في المدرسة الابتدائية كأنه أستاذ جامعي، علمًا وخلقًا وحماسًا. لم يكن ينظر إلى المادة أو أن يكون بارزًا بقدر ما كان يريد أن يكون معلمًا بالدرجة الأولى. هؤلاء الأساتذة يندر أن يوجد لهم مثيل في الوقت الحاضر.. وئام أسري * كيف كانت حياتك كابن من أبناء الزوجة الثالثة، وكيف كانت العلاقة الأسرية فيما بينكم؟ حينما بدأت دراستي في المدرسة الابتدائية في جازان وجدت مجموعة من الإخوان والأخوات يتجاوز عددهم 12، وكانوا أربعة إخوان أكبر مني، إضافة إلى بعض الأخوات. والدي - رحمة الله عليه - لم يفرق بيننا كأبناء وبنات، ولم يفرق بين الزوجات، وكان عادلاً بقدر الإمكان، وبالتالي لم نكن نجد أي صعوبة في التعامل مع بعض كإخوة. كنا نعيش في منزل واحد كبير. صحيح أن والدتي كان لها منزل خاص بصفتها الزوجة الأخيرة، لكننا كنا كإخوة نجتمع في منزل واحد للأكل والشرب واللعب والراحة. كان الوالد يتنقل بين ثلاثة بيوت. المجتمعات في ذلك الوقت كانت بطبيعتها مجتمعات مسالمة. الزوجات كن في حالة سلام وكذلك الأبناء. لم يكن هناك فرق. مشاكل التعدد * والحال داخل أسرتك كما تصفه يا دكتور مدني.. هل أغراك ذلك بفكرة التعدد في حياتك؟ الرجل ليس لديه مانع في أن يعدد مثنى وثلاث ورباع، ولكن ظروف الحياة الصعبة في هذا الزمان تجعل الأمر صعبًا في أن يعدل بين الزوجات. ومن أراد أن يعدل يصعب عليه أن يعدل في جانب الحب والمشاعر. لا أؤيد تعدد الزوجات رغم أن والدي وأعمامي وأخوالي كانوا معددين، لكن ذاك زمان وهذا زمان. صحيح أننا كإخوة كنا متحابين لكن هذا لا يعني أننا نفضل التعدد. بقدر ما أن هناك لذة طبيعية بالنسبة للرجال في التعدد، إلا أن هناك مشاكل لا حصر لها للزوجة والرجل والأبناء. غربة من أجل العلم * كيف كان الانتقال من جازان في جنوب المملكة بطبيعتها الريفية إلى مكةالمكرمة وهي أكثر مدنية؟ وما الأسباب وراء هذا الانتقال؟ أكملت الابتدائية في جازان والسنتين الأولى والثانية في المرحلة المتوسطة. كنا خمسة طلاب في ذلك الوقت. حينما أردنا مواصلة التعليم، علمنا أنه لا يمكن فتح صف ثالث أو ما يسمى في ذلك الوقت بالكفاءة، لأن عدد الطلاب كان قليلاً والتكاليف كثيرة لمثل هذا الأمر. كان الخيار أمامنا إما التوقف عن الدراسة أو الذهاب إلى مكان آخر. لحسن الحظ كان أخي الأكبر يدرس في جامعة القاهرة آنذاك وكان له أصدقاء في مكةالمكرمة. تداول الموضوع مع والدي وقررا أن أكمل دراستي في مكة حيث أكمل أخي دراسته هناك. بعد أن انتهى من الابتدائية سافر إلى مكة وأكمل دراسته هناك. * مَن مِن إخوتك؟ كان أخي السفير المتقاعد محمد عبدالقادر علاقي الذي كان رئيس تحرير صحيفة المدينة في وقت من الأوقات. سافرت إلى مكة رغم اعتراض الوالدة – رحمها الله - لأني ابنها الوحيد في تلك الفترة ولكن الوالد -رحمه الله - وافق على إكمالي الدراسة. تم ذلك والحمد لله. فالتحقت بالقسم الداخلي في مكة في منطقة تسمى جبل هندي حيث كان يجتمع في تلك المدرسة طلاب من جميع مدن المملكة التي لا تتوفر فيها مدارس ثانوية أو متوسطة، أكملت الدراسة في المرحلة الرحمانية المتوسطة وأكملت المرحلة الثانوية في المدرسة العزيزية الثانوية بمكةالمكرمة... * كنت مغتربًا في السكن؟ نعم.. والمغتربون الآخرون من مدن المملكة الأخرى، وفروا لهم مدارس، من يأتي من المدينةالمنورة أو من الأحساء أو من شمال المملكة أو من الباحة أو نجران. القسم الداخلي كان يجمع كل هؤلاء الطلاب. زملاء في الذاكرة * مَن كان معك من الزملاء.. وتحديدًا الأكثر قربًا منك؟ أذكر في المدرسة المتوسطة الأخ عبدالله عبدالرحمن الجفري - رحمه الله - ، والأخ محمد سعيد طيب، وكنا في فصل دراسي واحد ومعنا مجموعة من الزملاء منهم المهندس رشاد شاولي، والأخ غازي أكبر، وأحمد عبدالسلام غالي، وياسين مندورة، وعبدالصمد عطرجي، ولطفي جوانه، وفيصل سجيني – رحمه الله -، ومجموعة أخرى لا أذكرهم. * ومن الذين كانوا من خارج مكة؟ أذكر منهم الدكتور ناصر السلوم وزير المواصلات السابق في القسم الداخلي، وأذكر منهم الدكتور عبدالوهاب منصوري، وكان عميدًا سابقًا في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود وكان من الطائف على ما أذكر. كانت معي مجموعة من أبناء جازان منهم علي الطبيقي، وعلي عارف – رحمه الله -، وإبراهيم العمودي، وهؤلاء أتوا معي من المرحلة المتوسطة. كان هناك إخوة من المدينةالمنورة ومن الطائف منهم الأخ الدكتور بكر العمري عميد كلية الاقتصاد سابقًا، وحمد الجعويني من رابغ، وعبدالكريم خراش، وإبراهيم آدم. حياة مرفّهة * كيف كانت حياة المغتربين في ذلك الوقت؟ كنا في القسم الداخلي وكانت تقدم لنا ثلاث وجبات، وكنا نعطى مصروفًا نثريًا 25 ريالا في الشهر. الحياة كانت بسيطة وكان هذا المبلغ يكفي مصروف المدرسة اليومي ومصروفات غسل الملابس وكيّها وأي طلبات أخرى. كانت الأسعار في متناول اليد وكان المبلغ كافيًا. الحياة بسيطة، وفي القسم الداخلي نشأنا بصورة جميلة، وكنا متعاطفين، وكانت الإدارة جيدة، ومستوى الطعام كان ممتازًا، وكان الشاي يقدم لنا بعد كل وجبة في الغرف. كانت الحياة جميلة وكان ذلك المستوى يعتبر رفاهية لأبعد حد. وكانت الفرقة المخصصة لنا في القسم الداخلي «بجبل هندي» تضم ثمانية أشخاص، ثم لاحقًا خمسة أشخاص؛ منهم اثنان من الطلبة الصوماليين حينما انتقلنا إلى قسم داخلي آخر هو قصر الأمير بندر بن عبدالعزيز بالمعابدة قبل نهاية العام الدراسي بثلاثة أشهر. انبهار ودهشة * هل هناك مواقف لا زالت باقية في ذاكرتك؟ أول ما وصلت إلى مكةالمكرمة - عمرها الله - انبهرت بها وكانت بوابة الدخول لها هي جدة التي لم نبق فيها سوى ليلة واحدة، ومنها انتقلنا إلى مكةالمكرمة أنا وزملائي وأخي محمد الذي أوصلني إلى المدرسة والقسم الداخلي. * ما هو شعورك حين رأيت مدينة مكةالمكرمة؟ انبهرت بالمستوى الحضاري لمكة في ذلك الوقت. الكهرباء في المدينة، والسيارات والطرق المرصوفة والأسواق المتعددة والمدارس الكثيرة. كانت هناك مدارس كثيرة. الحياة الاجتماعية المتفتحة والحرم الشريف. بعد صلاة العصر كنا نذهب للحرم ونذاكر دروسنا هناك إلى ما بعد العشاء. كنا نصلي في الحرم المغرب والعشاء ونحضر أحيانًا بعض الحلقات. في باحة الحرم * هل تتذكر تلك الحلقات؟ أذكرها؛ ولكني لا أذكر أسماء الأشخاص، لأنها كانت حلقات كثيرة. أذكر كذلك المقامات التي كانت موجودة في الحرم، وأنا أتحدث هنا عن عام 1375ه. كانت المقامات الأربعة الحنبلي والمالكي والشافعي والحنفي موجودة، وكان الأذان يصدح من المنارات المتعددة. لم يكن هناك مؤذن واحد وإنما أربعة أو خمسة يؤذنون في وقت واحد ، وأذكر في تلك الفترة كان إمامنا إلى جانب أئمة أخرى هو الشيخ عبدالله خياط -رحمة الله عليه-. كانت صلاة العشاء والتراويح في رمضان والتهجّد في صفوف محدودة، وفي جانب محدد من الحرم. كانت صلاة التهجد أمام باب السلام ولا تتجاوز أربعة أو خمسة صفوف. أما في صلاة المغرب فكانت حول الكعبة وما خلفها لم تكن هناك أعداد كبيرة من المصلين. انفتاح أدبي * انتقلت من مجتمع محافظ أو مغلق - إذا صحت التسمية - إلى مجتمع به تعددية في الأجناس والثقافة. كيف تأثير ذلك عليك وبماذا أحسست؟ لم أخرج من بيئة مغلقة تمامًا إذ كان هناك تعليم قبل التعليم الحكومي وهو تعليم الكتاتيب. المجتمع الجازاني كان منفتحًا وكانت هناك مجالس أدبية يجتمع فيها من يجيد القراءة والكتابة في ذلك الوقت وكانوا يتبادلون قراءة القصص والشعر والروايات. لم يكن المجتمع منغلقًا تمامًا. لم يكن هذا الوضع في جازان المدينة وحدها؛ بل كذلك في المدن المحيطة بجازان. كان هناك أعداد من المثقفين والكتاب والمؤرخين والشعراء. جازان منطقة شعراء. صحيح أن المجتمع كان منغلقًا من ناحية أن المنطقة لا يوجد بها غير أبنائها. كانت هناك أعداد قليلة من المدرسين من أبناء الحجاز الذين تولوا تدريسنا إلى جانب أبناء المنطقة واذكر منهم الأستاذ محمود بليلة - رحمة الله عليه - وهو من مكة، والأستاذ عثمان شاكر وكيل المدرسة وهو من جدة، إلى جانب أساتذة آخرون من المنطقة هم: محمد عائس، وأحمد حربي، وأحمد بالبيد، وعلي بن أحمد عور، وعلى رأس هؤلاء مديرنا المثقف الأستاذ محمد سالم باعشن -رحمه الله - الذي ندين له بالاعتزاز والفضل والتكريم والوفاء. هذا أستاذ أجيال... * هل كان هو مدير المدرسة؟ كان مديرًا وأستاذًا ومربيًّا وعالمًا من الرعيل الأول الذين تفتخر بهم أي مدرسة وأي مجتمع تعليمي، إلى جانب أنه كان رياضيًّا ومن مؤسسي ولاعبي نادي التهامي بجازان. كل أساتذتنا من النوع الذي يمكن للإنسان أن يفتخر بهم. المجتمع لم يكن منغلقًا وكان منفتحًا أدبًا وعلمًا وثقافة وشعرًا، ولكنه لم يكن به تعدد في القوميات والشعوبيات كما كان في مكةالمكرمة التي تحتضن بفضلها وقداستها أجناسًا متعددة من المسلمين إلى جانب أهل مكةالمكرمة. سخرية وانضباط * كمغترب في مكة.. ما هي أبرز المواقف التي تذكرها أثناء دراستك؟ أذكر موقفًا مع مدير المدرسة الرحمانية المتوسطة الأستاذ الفاضل محمد عبدالصمد فدا - رحمه الله - كنت في أحد الأيام قد تأخرت عن حضور الحصة الأولى وكان رجلاً نظاميًا وقابلني عند دخولي المدرسة فسألني في نوع من السخرية: إلى أين؟ وكنت بالطبع أعرف أنه صارم، ومربٍ من الدرجة الأولى فارتبكت. سألني عن سبب التأخير فذكرت له السبب. فقال لي أرجع إلى بيتك وتعال غدًا في الميعاد المحدد. هذا الموقف لم أتأثر به سلبًا ولكن أفادني في ما بعد ليس في أن لا أكون منتظمًا في المدرسة فحسب ولكن انتظمت في حياتي كلها بالانضباط في مواعيدي سواء للدراسة أو لقاء شخص معين أو موعد زيارة. أحاول بقدر ما يمكن أن ألتزم سواء بالوقت المحدد أو قبله. طراز فريد * الأستاذ محمد عبدالصمد حسب ما قرأت عن سيرته نال شهرة كبيرة.. ما أسبابها ؟ هذا الأستاذ القدير مربٍ فاضل، وإداري من الدرجة الأولى، وكان يحرص على مهنته ويحبها، وكان معلّمًا يحب التعليم والطلاب ويرجو لهم الخير . كان من طراز فريد سواء في علمه أو إدارته أو معاملته وخلقه. كان يبحث عن الابتكار والتجديد في الإدارة. كان يؤنّب الطالب بالإشارة، ويعدل سلوكه إلى إيجابي كما فعل معي. هذا النوع من الرجال قليل جدًا، لكن محمد فدا - رحمة الله عليه- كانت له هذه الخاصية، ونقلها معه من المدرسة الرحمانية إلى الأماكن التي عمل بها ومنها مدارس الثغر النموذجية بجدة. وكادت هذه المدارس أن تكون في منزلة الجامعة. لم يكن الطلاب طلاب مدرسة فقط؛ بل كانوا طلاب علم وطلاب دراسة، وطلاب فكر وثقافة، وكان يحرص على تزويدهم بكل جديد؛ ليس فقط بما يحدث داخل المملكة، وإنما بما يحدث خارجها. طلاب سلبيون * ألا تعتقد أن الأستاذ محمد فدا كان محظوظًا بتلاميذ أصبحوا في ما بعد مسؤولين في الدولة لذا جاء كل هذا الصيت؟ بطبيعة الحال كان هناك مديرو مدارس آخرون؛ ولكن شخصية كل واحد تختلف عن الآخر. هذا ليس قدحًا في الآخرين. الأستاذ محمد فدا كان هو محظوظًا بتلاميذه وكان تلاميذه محظوظين به. تلاميذ ذلك الزمان كانوا أيضًا أفضل من تلاميذ اليوم لأنهم يكنون لأساتذتهم كل تقدير وحب. أما تلاميذ اليوم للأسف الشديد سواء على مستوى المدرسة أو الجامعة سلبيون تجاه أساتذتهم ومديريهم وجامعتهم وليس منهم إلا القليل الذين يرجعون بالفضل إلى أساتذتهم ومعلميهم. ولا أنسى أيضًا الأستاذ القدير محمد سليمان الشبل الذي تولى إدارة المدرسة الرحمانية بعد الأستاذ الفدا. الأستاذ الشبل رجل فاضل يجمع بين الحزم والرقة، كنا طلابه فخورون به، وهو بالتأكيد يفخر بهم، أمدّ الله في عمره. من مكة إلى جدة * ماذا بعد دراستك في القسم الداخلي في المرحلة المتوسطة؟ قبل أن أكمل الثانوية في المدرسة العزيزية قضيت سنة دراسية في جدة في المدارس السبعة، وكانت تُسمى مدارس مدينة الملك سعود وهي الموجودة في شارع المدارس غرب إدارة التعليم الحالية. درست هناك السنة الثانية الثانوي وبعد ذلك عدت إلى المدرسة العزيزية بمكةالمكرمة. * ما هو السبب وراء مغادرتك مكة إلى جدة؟ السبب هو أن أخي محمد أكمل الجامعة في مصر والتحق بوزارة الخارجية ورغب في أن أكون معه في هذه السنة الدراسية بجدة. والسبب الآخر أن القسم الداخلي في مكة تم إغلاقه في ذلك العام.. * ولماذا تم إغلاقه؟ ربما كان السبب هو افتتاح مدارس جديدة في المدن التي كان يأتي منها الطلاب ووجد أنه لا حاجة للقسم الداخلي ومن كان يكمل وهو مغترب قررت له الحكومة مرتبًا شهريًا في حدود 150 ريالاً وكنت أنا من ضمنهم حينما كنت في جدة. عودة إلى مكة * لماذا رجعت إلى مكة؟ سؤال وجيه.. في تلك الفترة انتقل أخي إلى السكن مع زملاء آخرين وهم طبعًا في مستوى عمره ووجدت أنني كشاب صغير لا أستطيع أن أتكيف معهم فاقترحت على أخي أن أعود إلى مكة... * ألم يكن هناك خلاف بينكما؟ أبدًا، رحلت إلى مكة وبقيت مع زملائي الذين أتوا معي من جازان. عدت إليهم ثانية وسكنت معهم بعد أن استأجرنا بيتًا وعدنا للحياة الدراسية في المدرسة العزيزية الثانوية. * ألم تحدث لكم مضايقات في تلك الفترة وأنتم طلاب عزاب؟ بالنسبة لزملائنا الطلاب الذين كنا ندرس معهم كانوا نعم الإخوة وهذه من طبيعة أهل مكة فهم أناس أفاضل. بطبيعة الحال في كل مجتمع هناك نماذج سيئة ولكن أهل مكة بصورة عامة أفاضل، شبابًا وشيبًا، ولم تحدث لنا أية مضايقات، وبالعكس تعلمنا منهم الكثير. تلك الفترة كانت أجمل فترات حياتي رغم قصرها. أنا فخور بزملائي وأساتذتي من أهل مكة، ولا زالت تربطني بهم علاقات من الود والتقدير. لا أنسى أستاذنا الكبير حسن صالح أشعري الذي درّسنا مادة الفقه وعلّمنا سلوكيات التعامل مع الآخرين. وكذلك أستاذنا علي الحديثي. هؤلاء الرجال لا يتكررون في علمهم وسلوكهم وأدبهم.