أمام حشد غير قليل من العلماء والمفكرين وطلبة العلم والبارزين من شرائح المجتمع، أثبت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز وبالأدلة الدامغة منهج الوسطية والاعتدال الذي طبقته المملكة طوال ال 100 عام الماضية في جميع أعمالها سياسيا، اقتصاديا، فكريا، اجتماعيا، وأمنيا. أمام هذه النخب والشرائح من أطياف المجتمع المتعددة التي تداخلت مع المحاضر واستمتعت بإنصات للمحاضرة على مدى 45 دقيقة، شخص الأمير خالد بن الفيصل بن عبد العزيز رؤيته عن الاعتدال وكيفية تحصين النشء ضد محاولات التغرير والتغريب، ووثق في 3000 كلمة مسيرة الاعتدال التي طبقتها المملكة في كل شؤون حياتها. فتح أمير منطقة مكةالمكرمة على مسرح الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة البارحة الأولى قلبه، تحدث بنضج ووعي المسؤول عن الفراشات الساعية إلى حتفها نحو شعاع حارق، مشيرا بوضوح إلى من يتبعون الفريق الذي يدعو إلى كسر القيود، والخروج على المألوف، والحرية المطلقة، منسلخين عن قيم الإسلام، معتمدين نقل النموذج الغربي، مؤكدا بوضوح تام على أن هذا التيار هو أداة غزوة منظمة من المتربصين بالإسلام والوطن. أعاد الأمير خالد الفيصل حضور المحاضرة إلى نحو 100 عام مضت، عندما تصدى الملك عبدالعزيز مؤسس الملكة العربية السعودية لأصحاب الفكر المتطرف الذين عرضوا التحديث بدعوى التحريم، حيث أشرعوا السلاح في وجهة رافضين حلقات النقاش التي أطلقها في طول البلاد وعرضها، وانتصر على المتطرفين وفرض التحديث فرضا على أساس منهج الاعتدال. وتطرق أمير منطقة مكةالمكرمة إلى دور الدولة الفاصل في التصدي للفكر الرافض، مستشهدا بفتح مدارس البنات الذي أطلقته الدولة في عهد الملك سعود (يرحمه الله)، غير أن الفكر الرافض تمترس وحاول إحباط هذا المشروع التنويري المهم الذي يقطف الوطن من أقصاه إلى أقصاه ثماره الآن، مؤكدا أن الملك فيصل (يرحمه الله) تصدى لاعتراض الرافضين، وواصل افتتاح مدارس البنات وحماية الطالبات من اعتراض طريقهن وتهديدهن، كما أدخل التلفزيون رغم اعتراض البعض. ركز الضيف الكبير أمام الضيوف وهو ينتقل من نقطة إلى أخرى على الشباب، مراهنا على وعيهم ودورهم في التصدي لمحاولات التغرير، رافضا دعوات البعض ومطالبهم بضرورة مواجهة الإعلام الجديد بالإغلاق والحجب، مؤكدا غير مرة أن سياسة حجب المواقع ووسائل الإعلام الجديدة لن تجدي وأن التصدي لها لن يكون مثمرا، داعيا إلى ضرورة التحصين الثقافي للشابات والشباب دون استثناء. وأبرز الأمير خالد الفيصل دور الحكومة القوي في التصدي للمد الشيوعي الذي غطى الساحة العربية وحاول البعض نقله إلى المملكة، غير أن الملك فيصل تصدى لذلك وتمسكت المملكة بدينها بكل إصرار وعزم وثبات، حيث انتصر الملك فيصل على تطرف الداخل والخارج مطلقا حركة تطوير شاملة في المؤسسات جميعا، حيث شملت حركة التطوير البنوك وتحرير الرق، فيما عرف بالنقاط العشر التي أطلقها الملك فيصل بن عبدالعزيز لتنظيم الحكم في البلاد. وأشار الأمير خالد الفيصل إلى حركة جهيمان التي عطلت الصلاة في الحرم المكي الشريف لأسابيع وهددت الطفرة الاقتصادية والتنموية في المملكة، حيث انتصر منهج الاعتدال وقضى على المجموعة التي احتلت الحرم. وفي عهد الملك فهد، أكد الأمير خالد الفيصل على أن جذور التكفيريين تناغمت بشكل عجيب بين من هم في الداخل وصدام حسين بفكره المتطرف الإلحادي الذي غزا الكويت وهدد دول الخليج، حيث انتصر فكر الاعتدال على الأطماع السياسية التي تسعى إلى الاستيلاء على السلطة، وتبنتها كل الحركات المبثوثة في الوطن العربي والشرق الأوسط وأساءت لنا أيما إساءة لدى العالم أجمع. وأبرز أمير منطقة مكةالمكرمة أمام الحضور، السياسية التي يتبعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحقيق الاعتدال في كل شؤون الحكم، مستشهدا بما قاله الملك عبدالله بن عبد العزيز «إننا نرحب بعولمة التجارة وبعولمة الاستثمار، ولكننا نرفض عولمة الفكر الفاسد، ونرفض عولمة الانحراف الذي يختفي تحت أسماء براقة، وهذا لا يعني الجمود في الحركة فصدورنا وبيوتنا مفتوحة لكل جديد مفيد، ولكنها موصدة في وجه الرياح التي تحاول زعزعة معتقداتنا، وخلخلة مجتمعاتنا فمنهجنا يستمد قوته من وسطية الإسلام، التي نتخذ بها موقفا معتدلا من القديم والجديد». أمام هذا التوثيق التاريخي الرصين لمواجهات الدولة مع فلول الفكر التكفيري والرافضين لمبدأ الاعتدال والذي ألهب به أمير منطقة مكةالمكرمة عقول ومفاهيم الحاضرين، حرص الأمير خالد الفيصل ألا يترك الحضور دون إبراز رؤيته في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة التي حددها ب13 نقطة لم تترك شيئا إلا وتناولته إيضاحا وتفسيرا وإبرازا. وبتواضعه الذي كسر هيبة المكان، حرص الحاكم الإداري لمنطقة مكةالمكرمة أن يلاطف الجميع ممن تداخلوا معه ووجهوا له غير سؤال، كما صفق 3 مرات لطالب من السنغال ألقى قصيدة فصحى في حضرة الجميع، حيث قال الأمير خالد الفيصل للشاب الذي اعتذر من كونه أعجميا يلقي قصيدة بالفصحى «إذا كانت هذه هي الأعجمية فعلينا أن نتعلمها لنصل إلى الفصحى». وقبل أن يغادر خالد الفيصل القاعة التي غصت بنحو 1000 مشارك من الرجال والنساء دعا إلى ضرورة سد الثغرات التي ينفذ منها الأعداء، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة تقديم الوجه الحقيقي الناصع للإسلام «إسلام الإصلاح.. والتطوير.. والبناء، إسلام العدل.. والحرية والمساواة.. إسلام القيم الإنسانية الأصيلة.. إسلام كل العصور والأزمنة». وضمن المداخلات، دهش الدكتور عبدالله صادق دحلان من المحاضرة وشفافية المحاضر، مطالبا بأن يتم تبني هذه المحاضرة وثيقة عمل في الخطاب السياسي الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية في تعاملاتها، وأجمع عدد من المداخلين على أن الأمير خالد الفيصل يتكئ على خبرات واسعة ونضج معرفي وصاحب مبادرات خلاقة في مختلف مجالات الحياة إداريا وتنظيميا.