هالتني صور وكميات المخدرات المعروضة على شاشات التلفزيون وأعداد المقبوض عليهم من المجرمين، شعرت أن الوطن يعيش حرباً مفتوحة ومتعددة الجبهات ضد شياطين الحرفة الخبيثة التي أغرقت في سعيها وراء المال الملطخ بدماء شباب الأمة وتجاهلت مبادئ الدين والأخلاق وواجب الوفاء للوطن وللعشيرة، أثارت تلك الصور المريعة أسئلة ملحة حول مدى تحصين جبهتنا الداخلية ضد داء المخدرات المستشري، فرغم ما تبذله قوى الأمن وسلطات الجمارك وأجهزة الدولة المختلفة من جهود في مكافحتها إلا أن ما يتسرب من قبضتها يكفي لتدمير فلذات الأكباد ذلك أنه لم يحدث في أي بلاد مهما كانت قوية ومتقدمة أن قضي تماماً على آفة التهريب لا سيما في الدول ذات القدرات الشرائية العالية والحدود الممتدة مع دول مختلفة الثقافات والتوجهات ومع تطور حيل المهربين حتى وصل بهم الأمر إلى استخدام الطائرات الشراعية أو تعبئة محصولهم في علب الطعام أو أحشاء الآدميين. أعتقد أن موضع الخلل الرئيسي يكمن في ضعف تحصين جبهتنا الداخلية، تحصينها بتنمية الوعي وترسيخ الثقافة الصحيحة المقاوِمة لكل ما هو سيئ ورديء لدى الناشئة، ثمة قصور في دور الإعلام على اختلاف وسائله لا سيما القنوات الفضائية ذات الشعبية والانتشار في زرع الوعي وفي التوعية الممنهجة التي يقف وراءها خبراء التربية وعلماء النفس والاجتماع لمواجهة داء المخدرات الفتاك، كما لا يستثنى طلبة العلم وهيئات العلوم الشرعية من تهمة التقصير في استغلال المنابر الدينية مع مالها من القبول لدى مختلف شرائح المجتمع لهذا الغرض النبيل، وأما دور منظومة التربية والتعليم فما زال دون المستوى المأمول في غرس المبادئ الأخلاقية القويمة من خلال المناهج التربوية والدراسية وتحصين الشباب من معضلات وآفات العصر، تلك المبادئ والقيم التي تضمن ثقة الشباب بأنفسهم وتمكنهم من المعرفة السليمة والقدرة على التمييز بين الخير والشر وتمنحهم المقاومة الذاتية لكل ما هو محرم أو ضار أو ممنوع، لا بد أن تتحرك مؤسسات وقوى المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها وتنوع مشاربها لتؤازر جهد الدولة في مواجهة مافيا المخدرات التي أضرت بالوطن وأودت بأرواح الكثير من أبنائه أو حولتهم إلى مجرمين ولصوص ومدمنين فاشلين أو نزلاء دائمين للسجون ولمراكز الإدمان التي تكتظ بأعدادهم المتزايدة يوماً بعد آخر. [email protected]