اندثرت الأحزاب الاشتراكية العربية وذهبت أدراج الرياح رغم ما كانت تلقاه من الدعم غير المحدود من المعسكر الشرقي أيام مجده وسطوته ورغم المؤازرة المستمرة من الأحزاب الاشتراكية الغربية النشطة فلم يتبق ممن يرفعون تلك الشعارات المستهلكة سوى القليل من أصحاب المصالح وظلت الأحزاب الليبرالية محدودة الانتشار ينحصر تأييدها في نخب منعزلة عن القواعد الشعبية ولم تسعفها الدعاية الإعلامية والدعم المتواصل من الديمقراطيات الغربية ومنظماتها الكثيرة وتقهقرت أحزاب القومية العربية وكاد يغيب نجمها رغم تطبيل القوميين العرب الذي ملأ الآفاق وأصم الآذان وفشلت تجربة البعث العربي بعدما خلفت ندوبا غائرة في روح وجسد الأمة وبقيت التيارات والأحزاب الإسلامية تنبعث حية ومتجددة بعد كل نكبة تلحقها بها الأنظمة الحاكمة على مدى عقود، حلت أحزاب وتنظيمات كثيرة وحظرت أنشطتها وطورد مؤيدوها وضيقت عليهم السبل لكن ذلك لم يفلح في طمس روحها وإخماد جذوتها فهاهم الإسلاميون يتقدمون الصفوف في انتخابات تونس ما بعد الثورة وفي انتخابات المغرب بعد دستورها الجديد وها هم يقودون عملية التغيير والبناء في ليبيا الجديدة ويتصدرون المشهد وها هي الأحزاب الإسلامية تكتسح الانتخابات المصرية، ترى ما سر الحياة في تلك الأحزاب ؟ وما الذي يجعلها تحظى بهذا القبول ولماذا تثمر النظريات السياسية في بلاد ولا تثمر في أخرى ؟ لماذا تتقبل الشعوب العربية الأحزاب الإسلامية وتوفر لها بيئة النمو والازدهار ؟، يكمن السر في أن تأثير الإسلام لا يقتصر على المناسك والعبادات بل هو المكون الرئيسي لثقافة وفكر الأمة لذا لا تجد صعوبة في فهم خطابه أو في قبوله حين يتحدث بلغتها ويخاطب ضميرها أما النظريات الاشتراكية والليبرالية فتعاني من هوة واسعة تفصل بينها وبين الجمهور الذي لا يشعر بانتمائها له بينما لا تجد الشعارات القومية الحادة أو المتطرفة القبول لدى أمة ألفت التسامح والتعايش، ينبثق الخطاب الإسلامي المعتدل من ضمير الأمة ويمثلها بمكوناتها المختلفة أكثر من سواه، تلك حقيقة أدركها الغرب فعلم ألا مناص من التعامل مع تلك الأحزاب والتيارات على أنها أمر واقع وحقيقة تفرض نفسها فقرر أن يفتح معها صفحة جديدة خصوصا بعد نجاح التجربة التركية في نموذجها الذي يوائم بين التوجه الإسلامي والنظام الديمقراطي والذي بدأت تستلهمه الكثير من الأحزاب الإسلامية على امتداد الوطن العربي، فهل نحن بصدد ديمقراطية إسلامية !؟. [email protected]