بعد فراغي من درس أسبوعي ليلة الأحد الماضي وقبل انصرافي اجتمع وكالعادة نفر من الأحبة يستفسرون عن بعض المسائل المتعلقة بالدرس، وفي أثناء تجاذبنا أطراف المسائل قال أخ مقيم وبتلهف عندي سؤال يا شيخ، فقلت هات ما عندك، فقال عملت مع شخص أسبوعين فلم يعطني أجرتي فهل لي أجرة فقلت إذا كنت أديت ما اتفقتما عليه فيلزمه أداء الأجرة، فالتفت السائل وقال «يا فلان يا فلان» وتعجبنا جميعا من فعله حيث كان ذلك في مسجد قباء وجاء فلان وانجفل الناس تحرجا من سماع ما ظنوه كائنا من مجريات مخاصمة، قلت لفلان هل تقبل بالصلح بينكما قال أقبل بما تأمر به يا شيخ، فقلت ما الخبر؟ فقال يا شيخ كلفته بالعمل مندوب مبيعات وتحت التجربة فلم ينجز إلا قليلا فقلت مبادرا وأنت أخي الشاكي لما لم تذكر لي الخبر كما هو، قال بلهجته الدارجة (كلامنا زي بعضه ما فيه خلاف) فقلت لصاحب العمل كم ستعطيه قال خمسمائة ريال وقلت للعامل كم تطلب قال ألف ريال قلت لصاحب العمل تعطيه سبعمائة وخمسين ريالا، وأنت أيها العامل تأخذ هذا المبلغ، فرضي العامل ولكن صاحبنا امتعض مع رضاه بما تصالحا عليه، فانحل الإشكال في أربع دقائق ولله الحمد. أحبتي القراء هذه خصومة أوغرت صدري أخوين شعر كل واحد منهما أنه على الحق المبين وأن صاحبه ظلمه، وهي خصومة في حقيقتها ليست بشيء إذا قيست بمعضلات من التخاصم الذي يقع بين المتخاصمين الذين يملأون أروقة المحاكم، ومهما تكن الخصومات كبيرة كثيرة إلا أن الصلح أيسر سبيل وأقرب لحل ما لا يتيسر حله إلا بمحاكمات تشغل القضاة وينصب بها المتنازعون وأحيانا لا يرضى بها الطرفان ولذلك شرع الله سبحانه الصلح قال سبحانه «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما»، وقال تعالى «والصلح خير»، وعن أبي أيوب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا أيوب، ألا أدلك على صدقة يرضي الله ورسوله موضعها؟ «قال:بلى. قال: « تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا» رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له ورواه الطيالسي في مسنده والطبراني في المعجم الكبير. وقال الشيخ الألباني حسن لغيره وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي ينم خيرا بين متخاصمين على سبيل الإصلاح ليس كذابا ولا نماما وذلك حرصا منه عليه الصلاة والسلام على حث الناس على الاشتغال بالإصلاح بين الناس عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمى خيرا». والآيات والأحاديث كثيرة في بيان فضل الصلح وحسن أثره، وقد يقول قائل إن في المحاكم لجان صلح، فأقول إذا وصل المتخاصمون إلى أبواب المحاكم فإن الصلح قد يتعذر نواله ثم إن مجالس الصلح تلك لا تفي إمكاناتها بالغرض من حيث عدد المشتغلين بالإصلاح والإمكانات والأوقات، ولهذا فإني أقترح أن تكون هناك مجالس إصلاح في كل الأحياء في المدن والمحافظات والقرى وبرعاية إمارة كل منطقة على أن يكون أعضاء تلك اللجان من أهل العلم الشرعي والمتخصصين في علم الاجتماع ومن شيوخ القبائل وعمد الأحياء ووجهاء العوائل، ويتواجد هؤلاء جميعا في أول النهار وآخره وحيثما دعت الحاجة لوجودهم بما لا يشق عليهم، وعندما يجرى صلح وفي أجواء تراحم وفي وقت مناسب للأطراف كلها وفي ظلال ترابط أهل الحي أحسب أن ذلك سيكون نفعه عاجلا ناجعا. * المشرف على الدعوة والإرشاد فرع وزارة الشؤون الإسلامية في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق [email protected]